تحديات مصر الاقتصادية 2018 ” سد النهضة “

تحديات مصر الاقتصادية 2018 ” سد النهضة “

 – مازالت مخاوف المصريين الناتجة عن بناء سد النهضة الأثيوبي قائمة وتزداد يوما بعد يوم، وقد تحدثنا في مقالة سابقة عن ما سينتج عن سد النهضة من مشكلات للدولة المصرية، وتحدثنا أيضًا عن إمكانية وجود فرص استثمارية لكثير من التجار، والتي كانت تعتبر بمثابة حلول للمشكلة التي تهدد سكان الدولة المصري. في هذه المقالة سنتحدث عن ماذا يخبئ لنا المستقبل وتحليل المشهد المصري الحالي من الجانب الاقتصادي.

 

سد النهضة والمصريين ..

– يهدد سد النهضة بقوة سكان الدولة المصرية من حيث نقص المياه، والتي ستؤثر بقوة أيضًا على الزراعة. وتكمن المشكلة في أن الخطة الزراعية المتبعة في مصر إن استمرت كما هي فلن يجد السكان مياه للشرب، وإن تم اتباع خطة التقليل من المحاصيل الزراعية التي تستهلك كميات كبيرة من المياه سيكون هذا أثره كبير على زراعات مثل الأرز والموز وقصب السكر. وبالطبع الأرز والسكر بالنسبة للمصريين يعتبروا من السلع الاستراتيجية والتي يتم الاعتماد عليها بشكل كبير.

 

– مجلس الشعب وقانون منع زراعة الأرز ..

 

على صعيد أخر، قابل مجلس الشعب المصري بدء ملىء خزان سد النهضة بسن قوانين تمنع زراعة السلع التي سبق ذكرها كأحد الحلول التي من شأنها تخفيف الضرر الواقع على المجتمع المصري، وهو ما يراه في مصلحة الشعب حيث أن زراعة تلك المحاصيل تهدد بقوة حصة المياه المصرية. وقد انتقد البعض هذه القوانين بقوة، ولكنها في غالب الأمر تأتي مباشرة من الخبراء المصريين في الحكومة المصرية. وهذا القرار لن يتم الرجوع فيه، وقد تم إقرار القانون بالفعل.

 

– تعامل المصريون مع الأزمة ..

 

على جانب آخر اشتكى الفلاح المصري من عدم النظر في أمره، وهو ما يعني أن سن القوانين التي من شأنها حماية حصة المياه ستضر الفلاح المصري، وستكون لها تأثيرًا مباشرًا على مستوى دخل الفلاحين المصريين، حيث أن بدء بالفعل منع زراعة كل المحاصيل التي تستهلك كميات كبيرة من المياه. والسؤال المحير الآن هو، ماذا سيزرع الفلاح المصري بعد منع تلك المحاصيل الزراعية؟

أما إذا توسعنا في النظر لباقي الصناعات التي تعتمد على تلك المحاصيل، فسنجد بكل تأكيد تأثيرًا مباشرًا عليها، فزراعة الأرز أو السكر ليست قاصرة على فكرة الزراعة ذاتها، ولكن هناك رحلة كبيرة جداً بين خروج المحصول من الأرض ووصوله إلى المستهلك يعمل بها ألاف المصريين، وبكل تأكيد سيكون التأثير سلبي على تلك الصناعات.

 

التأثير على التربة المصرية

وعلى صعيد آخر، فقد طالب البعض بعدم منع طريقة الري بالغمر لما فيها من فوائد قوية لتربة الدلتا المصرية خاصة أن ملوحة الأرض ستزيد بقوة في هذه الحالة، وهو ما قد يؤدي إلى التصحر وبوار أرض الدلتا المصرية، وهو ما قد يدفع البعض إلى استخدام مخزون المياه الاستراتيجي.

 

هل من حلول ؟!

– أشار بعض الخبراء المصريون إلى ضرورة الجلوس على طاولة المفاوضات ووضع بعض الأدوات التي من شأنها أن تضغط على الدولة الأثيوبية، منها مثلاً استخدام التهديد بسحب استثمارات مصر بأثيوبيا، والتي تبلغ ما يقارب من ال 58 مشروعًا استثماريًا بما يقارب ال 35 مليار دولار، إلى جانب الضغط على أثيوبيا من خلال الدول الصديقة لمصر مثل دول الخليج والتهديد اقتصاديًا، لعل هذا قد يفتح المفاوضات مرة أخرى بين الحكومة المصرية والأثيوبية، علما بأن المفاوضات المصرية مع أثيوبيا والتي استمرت ل 17 جلسة قد بائت كلها بالفشل.

 

هل مصر ستظل هبة النيل؟

– لقد أطلق فراعنة مصر عليها لقب “هبة النيل”، بل وقد عبدوا النيل من باب أنه شريان الحياة، فهل ستظل مصر كما هي أم أن المصريون لن يستمروا في الاستمتاع بالنيل مرة أخرى. في ظل الزيادة السريعة لتعداد السكان في مصر، فكان السيناريو المتوقع هو زيادة حصة مصر من المياه، وليس العكس، خاصة أن إحصائيات منظمة اليونيسكو الأخيرة تشير إلى الاتجاه القوي نحو العطش على المستوى العالمي، وهو ما دفع المنظمة إلى البحث عن طرق قوية لترشيد استخدام المياه على مستوى العالم.

فهل ستستطيع الدولة المصرية توفير البدائل؟!

 

هل من الممكن توجيه ضربة عسكرية على سد النهضة؟

 

قال خبراء أن هذا الطريق مسدود لما فيه من ضرر أكبر على مصر والسودان، فانهيار السد بعد ملىء الخزان سينتج عنه الإطاحة بالسد العالي وغرق كل من مصر والسودان، وبالتالي هذا الخيار يهدد الدولة المصرية أكثر من أثيوبيا، فهذا يعني غرق صعيد ودلتا مصر بالكامل.

وهو ما يعني أن هذا الباب مغلق تمامًا ولن يتم التفكير فيه من الجانب المصري.

 

 

المياه وأسعار السلع الاستراتيجية ..

بات على الدولة المصرية التفكير في حلول مبتكرة لمشكلة سد النهضة، هذا ولأن السد قد اكتمل بالفعل بناءه، وهو ما يعني التأثر الكبير لحصة المياه المصرية، والتي ستؤثر بقوة على ملايين من المصريين، سواء في استخدام المياه أو في العمل الزراعي، والذي يقتات منه ملايين الأسر المصرية. فهل من حلول مبتكرة تحمي اقتصاد الدولة المصرية والذي بدوره يعاني من مشكلات أخرى منذ عام 2011 لنقص السياحة والاستثمارات الخارجية؟

في ظل ارتفاع المستوى العام للأسعار المستمر تنفيذًا لشروط صندوق النقد الدولي، هل سيتمكن المصريون من النجاة أمام هذا النقص الشديد في السلع الاستراتيجية خاصة أن الندرة تتسبب أيضًا من الجانب الاقتصادي في رفع الأسعار بقوة، وهو ما يعني أن المصريون أمام أحد الحلين، إما أن يبتعدوا عن كل السلع التي ستتأثر بقوة من مشكلة المياه، أو أن يعانوا شرائها بالأسعار التي لن يتحملوها في غالب الأمر.

 

مصائب قوم عند قوم قد تكون فوائد

في ظل كل هذه المشكلات التي ظهرت على الساحة المصرية يظل جشع التجار والذين بكل تأكيد قد بدئوا من الآن في تخزين كميات كبيرة من السلع المهددة بالنقص لتحقيق هامش ربحي خرافي من بيعها بعد الغلاء، وهذا يحدث في كل مجتمعات رجال الأعمال والتجار. ولأن هدفهم الأول والأخير هو النجاة وتحقيق مكاسب كبيرة حتى لا يقعوا مع بقية المصريين في هذه الكارثة، ومن منطلق القفز من السفينة قبل الغرق، بكل تأكيد سيكون هناك تلاعب كبير وتخزين قوي لكل هذه السلع. ما لم تكون الحكومة المصرية قادرة على السيطرة على الأسعار، فسيعاني الشعب المصري من الغلاء في هذه السلع بشكل كبير.

فهل من منقذ لموجة الفقر القادمة والتي ستهدد بشكل كبير الحياة الاجتماعية والسياسية المصرية على حد سواء؟ ذلك أن المجتمع المصري مع موجات الغلاء المستمرة التي يعاني منها سيلجأ بكل تأكيد إلى العدول عن الاستقامة واللجوء إلى الطرق المنحرفة لتلبية متطلبات الحياة، وهو ما يحدث باستمرار في كل مجتمع يعاني أهله الفقر الشديد وعدم وجود ما يقتات منه، فتنهار الثقافة والأخلاق وتزداد معدلات الجريمة بقوة، وهو ما ليس محمودًا لأي مجتمع يريد بناء وطنه من جديد، فالاقتصاد هو العمود الأساسي الذي من شأنه أن يرفع الدولة إلى أعلى أو أن ينهار بها تمامًا.