ما هي أهم رسالة تقدمها الصين للفيدرالي الأمريكي؟

ما هي أهم رسالة تقدمها الصين للفيدرالي الأمريكي؟

 

 

الصين التي تعتبر ثاني أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي أعلنت اليوم عن بياناتها الأهم للربع الثالث

 

الجميع تقريبا كان يتوقع أن تتراجع مستويات النمو بعد البيانات التي أبرزت تراجع في أنشطة الاقتصاد الصيني مؤخراً

 

ولكن التراجع كان أعمق حيث بالرغم من أن الاقتصاد الثاني عالميا ما يزال يسجل نمواً يفوق الـ 6% منذ بداية تسعينيات القرن الماضي إلا أن زخم هذا النمو بات يتراجع مع مرور الوقت

 

لا يمكن أن نطالب الصين بتسجيل نمو بمعدل 15.3% الذي سجلته عام 1993 أو 15% عام 2007 قبل أن تتكالب الأزمات المالية أمريكيا واوروبيا والتي أكلت من النمو العالمي الكثير

 

إلا أن المطلوب من الصين كونها ذات النسمة المليارية هو استمرار تحقيق معدلات نمو قوية لا تتباطأ فتشكل مخاوف للمستثمرين العالميين من ازمة تبدأ في بكين وتنتهي في واشنطن

 

الصين بحاجة على الأقل لنمو مطرد يوفر ما لا يقل عن 10 ملايين فرصة عمل جديدة سنوياً حتى تضمن استمرار التوظيف والحفاظ على القوة الشرائية للمستهلكين وعدم الاضرار بالمنتجين

 

فبالتالي هناك حاجة لاستمرار توفير الأموال والتحفيزات وزرع الثقة بأن الحكومة الصينية متمسكة بالنهج التحفيزي

 

فبعد أن صدرت بيانات اليوم أرفق المكتب الحكومي بيانه بأنه سيستمر بعمل التحفيزات اللازمة للحفاظ على مستويات النمو وأكد أنه لا يرى أثر هام للمناوشات التجارية في إشارة إلى تهميش فرض الرسوم المتبادل مع الولايات المتحدة الأمريكية

 

هذه التطمينات تحتاجها الأسواق بشدة بعد تراجع معدل النمو حتى لا ينكفئ المستثمر على نفسه ويتردد في افتتاح المشاريع التنموية

 

الحكومة الصينية خلال عام استمرت بشكل واقعي بدعم الاقتصاد عبر تسهيل السياسات المالية والنقدية

 

فقد استفادت من تأرجح بيانات التضخم التي تراجعت مؤخراً وبينت قدرة المسؤولين على إنعاش الاقتصاد عبر المزيد من الأموال

 

الصين خفضت في سبتمبر وقبلها في ابريل ويونيو نسبة الاحتياطي الالزامي للشركات وذلك لتعطيها المزيد من السيولة للتحرك بهدف دفع التنمية

 

أيضاً قامت بتوسيع نطاق الشركات التي ستدخل ببرنامج التمويل وقد ضخت في ابريل 400 مليار وفي يونيو 700 مليار يوان كسيولة للشركات

 

وقد استهدفت في النصف الأول من العام خفض الرسوم والضرائب بمقدار 1.5 تريليون يوان

 

حتى لتحفيز استهلاك الافراد فقامت برفع الدخل المعرض للضريبة بدلا من نصف مليون ليصبح من مليون يوان

 

كل هذه السيولة تسعى الصين من خلالها لدعم الاستهلاك والإنتاج معاً في آن واحد

 

إلا أن نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي تراجعت بالرغم من ذلك

 

ويبدو أن تراجع النمو يأتي في ظل ضغط السيولة الذي يضرب اقتصادات كبرى عالمياً وبات يؤثر على الصين

 

ويمكن استنتاج ذلك بالنظر لأسواق الأسهم الكبرى التي تراجعت هذا العام بمعدلات لم تشهدها منذ سنوات

 

الأمر الذي يؤكد أن عمليات تسييل الأصول وخاصة في أسواق الأسهم تأتي استجابة لحاجات تمويلية لم تتواجد بدائل لها

 

ففي الوقت الذي يقوم ثاني أكبر اقتصاد في العالم بضخ التحفيزات فإن الاقتصاد الأول في العالم يقوم بسحبها

 

مما يخلق فجوة تمويلية للشركات حول العالم التي تريد أن تستمر عمليات التوسع بها دون ارتفاع للتكلفة الدولارية التي تجفف اختيارات المستثمرين

 

فالتراجعات في أنشطة وثقة الأعمال لم تقتصر على الصين فقط بل امتدت لأوروبا التي تشكل أكبر اتحاد لتكتل اقتصادي والتي تسجل الثقة فيها أدنى مستويات منذ تفجرت أزمة ديونها

 

واليابان التي يشير بها مؤشر تانكان أن الربع الثالث هو الأدنى نشاطاً منذ 6 ارباع سنوية

 

هذا بالإضافة لعوامل ضغط سلبية على الاقتصاد العالمي جراء تدهور عملات وتراجع أسعار أصول في أسواق المال

 

إذاً لماذا يرفع الفيدرالي الأمريكي معدل الفائدة في الوقت الذي يخفض به صندوق النقد الدولي من توقعاته للنمو العالمي؟!

 

ولماذا يصر على ذلك مع عدم وجود ضغوط تضخمية في البيانات التي صدرت مؤخراً؟!

 

يبدو أن الصين عبر التعهد بالمزيد من التحفيزات ترسل رسالة للفيدرالي مفادها أنكم على خطأ وستدفعون ثمن ذلك في بيانات اقتصادكم قريباً

 

ويبدو أن قريباً تزداد قرباً كلما استمر عناد الفيدرالي الأمريكي في طريق التشديد النقدي ورمي العثرات أمام المستهلكين للسلع المكلفة نسبياً والشركات التي تريد توسيع اعمالها دون خفض معدلات الربحية المستقبلية.

 

 

نورس حافظ

كبير استراتيجي الأسواق