ماذا ينتظر الاقتصاد المصري بعد التعويم ورفع الفائدة البنكية؟.

ماذا ينتظر الاقتصاد المصري بعد التعويم ورفع الفائدة البنكية؟.

قام البنك المركزي المصري بتعويم الجنيه مرة أُخرى صباح اليوم الاربعاء بنسبة 46% ليصل سعر الجنيه أمام الدولار الى مستوى 45 جنيه لكل دولار واحد في القطاع المصرفي والبنوك حسب ما صرح البنك التجاري الدولي اليوم، وجاء ذلك بعد رفع المركزي لمعدلات الفائدة بنسبة 600 نقطة أساس،أو 6% لتكون الفائدة على الاقتراض الأن في القطاع المصرفي عند مستوى 27.25 ولكن ماذا يعني رفع معدلات الفائدة بهذه النسبة وما تأثير القرارات على الاقتصاد المصري ككل.

من المعروف الأن أن رفع قيمة الدولار أمام الجنيه لها تبعات تضخمية كبيرة على أسعار السلع والمنتجات، وهو ما ظهر في السنوات القليلة الماضية على المستوى العام للأسعار في مصر، والأداة الوحيدة لدى البنوك المركزية لمحاربة التضخم تكون في سحب السيولة من العملة المحلية في سوق الاقتصاد حتى تتماسك قيمة العملة المحلية أمام العملة الأجنبية الأقوى، وهو ما فعله المركزي المصري اليوم في اجتماع استثنائي حيث تم رفع معدل الفائدة الى مستويات هي الأعلى خلال العقد الحالي.

رفع معدلات الفائدة ليس أداة سحرية أيضاً، فعلى الرغم من أن أدوات الفيدرالي الوحيدة هي سحب السيولة وأهم أدوات سحب السيولة النقدية هي معدلات الفائدة الا أنها سلاح ذو حدين، فرفع معدل الفائدة له نتائج سلبية تتمثل في تباطؤ النمو الاقتصادي لأن هذه السيولة بدلاً من أن تعمل داخل الاقتصاد وبالتالي تزيد من النشاط الاقتصادي في الدولة يتم سحبها من السوق ما يؤدي الى تباطؤ معدلات النمو، وأضف الى لك أن معدلات الفائدة العالية تضغط على الموازنة العامة للدولة وهي المقترض الأكبر في هذا السيناريو، ورفع الفائدة يُكلف الخزانة المصرية المزيد من الاعباء.

ما هي الموازنة العامة للدولة ؟

الموازنة العامة للدولة هي الدخل السنوي للدولة ببساطة، ويكون دخل الدولة من عدة جهات أهمها الضرائب، ولأن الدولة لها مصاريف أيضاً فيتم حساب الموازنة العامة للدولة وما بها من عجز أو فائض بطرح المصاريف من الايرادات، ومصر لديها عجز في الموازنة العامة يُقدر بنسبة -7% تقريباً من مجموع الناتج المحلي الاجمالي، وهو مبلغ يٌقدر بنسبة -553018.00 جنيه. وتقوم أي دولة بتمويل عجزها عن طريق الاقتراض من البنك المركزي بفائدة البنك المركزي المعلنة التي تحدثنا عنها، ولذلك هي الأموال المقترضة من الحكومة المصرية تزيد بزيادة معدلات الفائدة كما صرح من قبل الدكتور محمد مُعيط وزير المالية المصري في لقاء سابق.

وبالتالي مع زيادة أعباء الحكومة المصرية فما هو الحل؟.

بكل تأكيد تواجه مصر الأن ظروف استثنائية فيما يخص المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها في السنوات الأخيرة ولذلك كل الحديث عن الحلول هو مجرد تكهنات لا أكثر، فلا أحد يعرف ماذا يدور في أذهنة القائمين على الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به الدولة المصرية، ولكن بالنظر الى القرارات الأخيرة من البنك المركزي فنرى أن الحكومة المصرية تسير ضمن خطة صندوق النقد الدولي وأهم خطوات هذه الخطة هو الاعتماد على سعر صرف مرن، وبالتالي تم رفع الفائدة لمواجهة التضخم الناتج عن هذا القرار، في المقابل سيعاني الاقتصاد المصري بعض من الضعف نتيجة لهذه القرارات وسيكون هذا الضعف عبارة عن تباطؤ في النمو الاقتصادي ولكن لأن الاقتصاد المصري متباطىء بالفعل فقد لا يشعر المواطن المصري بهذا الضعف في الأنشطة الاقتصادية، حيث أن معدلات النمو المصرية كانت في عام 2022 عند مستوى 6.17 وانخفضت الى 3.5 في العام الماضي 2023، ومن المتوقع أن تنخفض الى نسبة أقل من 3% خلال العام الجاري.

سيتوجب على الحكومة كما أعلن الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء المصري في تصريح سابق أن تُخفض الانفاق العام وهذا بدوره أداة أُخرى لمواجهة التضخم والعجز في الموازنة العامة للدولة، وجائت هذه الخطوة لتتماشى مع قرارات البنك المركزي المصري في تقليل السيولة والانفاق العام في الاقتصاد حتى تهدأ معدلات تضخم الجنيه المصري، حيث أن زيادة الانفاق العام من شأنه أيضاً أن يدفع التضخم الى مزيد من الارتفاع بسبب طلب الحكومة المستمر والقوي على السلع والخدمات، والعكس عندما تقرر الحكومة الاحجام عن الانفاق فيقل الطلب وبالتالي تهدأ الأسعار وبما أن الحكومة المصرية هي المنفق الأكبر في الاقتصاد المصري خلال السنوات الماضية فهذه الخطوة أيضاً قد تقلل من حجم التضخم المرتفع بشكل علم، ولهذه الخطوة أهمية أُخرى وهو خفض عجز الموازنة العامة للدولة بسبب ارتفاع المديونية والعجز، وبالتالي هذه الخطوات الايجابية لصالح الجنيه وسعر الصرف والتضخم هي سلبية فيما يخص النمو الاقتصادي كما ذكرنا. ولكن بشكل عام فلا يمكن أن تحافظ على الاثنان معاً، فنادراً أن تستطيع دولة الحفاظ على الأداء الاقتصادي والعملة في مثل هذه الظروف المشابهة لحالة الاقتصاد المصري. لذا أخذ قرارات قوية للحفاظ على العملة المحلية يكون أولوية بالنسبة للقائمين على الاقتصاد بكل تأكيد.