ماذا ستفعل الاسواق المالية بعد تباطؤ الاقتصاد العالمي ؟

ماذا ستفعل الاسواق المالية بعد تباطؤ الاقتصاد العالمي ؟

الأسواق المالية العالمية دخلت في مرحلة التباطؤ بعد سرعة معدلات النمو للسوق الأمريكي العام الجاري، حيث أن نتائج معظم الشركات والقطاعات كانت جيدة جداً من الناحية المالية، وهو دفع الاقتصاد إلى الوصول لمراحل نمو عالية جداً. وقد حان الوقت من وجهة نظر السياسة الأمريكية إلى تهدئة الاقتصاد، وهو ما دفعهم إلى احتمالية اتخاذ قرار برفع معدلات الفائدة البنكية كما هو متوقع.

بعد وصول معدلات النمو الأمريكية إلى 3.5% سنوياً كما جاء في تقارير أكتوبر الماضي توقع معظم الاقتصاديون تباطؤ قوي في معدلات النمو بعد الوصول إلى مستويات الـ 4.5 في آخر ثلاثة أشهر. وبعد الوصول لهذه السرعة الكبيرة للنمو هل من الممكن أن تستمر هذه المعدلات؟

 

مع تقليل الضرائب من حكومة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، اندفعت معدلات النمو بما يقارب الـ 0.6 %، ومن المحتمل أن تصل إلى 0.8 %، ولكن معظم التوقعات تشير إلى احتمالية تراجع معدلات النمو إلى 2% بسبب الاعتماد على مصدر الضرائب والتي تعد ممول ضعيف للميزانية الأمريكية.

 

على الرغم من أن كثير من المتفائلين ظنوا أن من شأن تقليل الضرائب دفع الاقتصاد إلى الأمام بسبب دفع سرعة الإنتاج إلى الأمام، إلا أن اندفاع الاقتصاد الأمريكي بقوة نحو النمو السريع جاء بنتيجة عكسية. وبشكل عام، عند فحص بيانات السوق الأمريكي قد تكون النظرة متشائمة إلى حد ما، فعلى الرغم من ارتفاع معدلات النمو، إلا أن التجارة الخارجية والاستثمارات جاءوا مخيبين للآمال في آخر ثلاثة أشهر، حيث أن 12% فقط من 116 شركة استطاعوا أن يستفيدوا من عملية تقليل الضرائب الأمريكية، فالشركات تحتاج إلى خطط طويلة المدى حتى تستطيع تعديل الخطط الخاصة بها لكي تبدأ في التعامل مع التغير الاقتصادي.

 

من المحتمل أيضاً أن يكون هناك مشكلة كبير في القطاع العقاري الأمريكي. الاستثمارات الخاصة في القطاع العقاري بما فيها شركات المعدات الخاصة بالبناء هبطت بشكل ملحوظ للربع الثالث على التوالي، والتفسيرات من الخبراء تشير إلى عدم القدرة على تحمل أعباء وتكاليف المعدات، وبالطبع ندرة العمالة والمعدات في القطاع العقاري دفعت تكاليف البناء إلى أعلى. ومن المحتمل أن يؤثر التغيير في خطة الضرائب الأمريكية إلى جانب التعريفات الجمركية في هذا الشأن.

 

في الوقت الحالي يرى كثيرون أن قرارات الرئيس الأمريكي المتعلقة بالتعريفات الجمركية أودت بالتجارة الدولية، فالارتفاع الكبير مثلاً في فول الصويا انقلب رأس على عقب، فالمشاكل الاقتصادية المتعلقة بالصين قد أثرت بقوة على التجارة مع الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الحالي. ولا يعرف الخبارء إلى أين ستنتهي المفاوضات بعد ذلك، أو ما هي الحلول المقترحة التي من شأنها أن تهدئ عملية التباطؤ المحتملة للاقتصاد العالمي.

في حالة عدم حل المشاكل الاقتصادية الأمريكية الخاصة بالقطاع التجاري والصناعي، سيكون هناك حل وحيد وهو الاعتماد على الإنفاق الاستهلاكي فقط، وهو ما يتطلب بدوره مزيد من عمليات التوظيف حتى يستطيع مؤشر الإنفاق الاستهلاكي أن ينمو في السنوات القادمة. ولكن هذا السيناريو قد يتطلب تكاليف زيادة على الشركات، وهو أمر مناقض للسياسة الخاصة بالقطاع الخاص في أوقات الانكماش أو ضعف المبيعات إذا أمكننا القول. ولكن بشكل عام فإن معدلات الدخل من القطاع الصناعي قد شهدت في السنوات الأخيرة زيادة قوية بالنسبة لسوق العمل، وهو ما يعني أن عدد الوظائف قد قل عن سابق عهده، بالاضافة إلى ذلك احتمالية رفع معدلات الفائدة الأمريكية والتي من شأنها أن تؤثر بقوة على الأسواق.

ولكن بشكل عام، من الأفضل أن يتأهب الفيدرالي للسيطرة على التباطؤ المحتمل، فرؤية الفيدرالي لمستقبل الاقتصاد والتأهب لاحتمالية حدوث أمور سيئة بشكل عام من الممكن أن تبعد خطر حدوث أزمات مشابهة للأزمات السابقة.

 

وعن تأثير هذه الأخبار من احتمالية التباطؤ الاقتصادي العالمي، فقد أثرت بالفعل على الأسواق المالية بشكل كبير، حيث شهدت المؤشرات الأمريكية داو جونز واستاندرد أند بورز أسوأ ديسمبر منذ الأزمة العالمية 1931، وهذا طبيعي وسط مخاوف المستثمرين من نهاية العام الجاري وبداية العام القادم مع النظرة التشائمية للمستثمرين.

أسعار النفط أيضاً هبطت بقوة مع احتمالية دخول الاقتصاد في مرحلة التباطؤ، وهذا أمر طبيعي وتاريخي أيضاً، حيث أن زيادة معدلات النمو الاقتصادي دائماً ما تزيد الطلب على النفط، والعكس هو السيناريو الذي يحدث حالياً.

أما تأثير الأخبار على الذهب فكان إيجابي، حيث أن كثير من المستثمرين بالطبع اتجهوا إلى المعدن الأصفر باعتباره الملاذ الآمن في هذه الأوقات التي قد تشهد فيها الأسواق العالمية هبوطاً قوياً، فالمستثمرين الآن في مرحلة الدفاع عن الأرباح التي تم تحقيقها مع وصول الأسواق المالية إلى ذروتها، حيث سجل مؤشر ستاندرد أند بورز أعلى قمة له خلال العام الجاري.

التأثير على الدولار الأمريكي من المحتمل أن يكون سلبي أيضاً، وذلك بسبب العجز الكبير في الميزان التجاري الأمريكي والديون الكبيرة على الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب اتجاه رؤوس أموال المستثمرين إلى شراء الذهب والعملات الأخرى التي تعتبر ملاذات آمنه، وهو ما من شأنه أن يضغط على العملة الأمريكية في الوقت الحالي. أيضًا القطاع الصناعي والتجاري عندما يصعدان وينموان بوتيرة سريعة فهذا يعني زيادة الطلب على العملة الأمريكية بسبب تدفق رؤوس الأموال إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو سيناريو من الممكن ألا يحدث وسط ارتفاع تأثر التجارة الدولية بزيادة التعريفات الجمركية للولايات المتحدة وإدارة الرئيس دونالد ترامب.

مع هبوط أسواق الأسهم والسندات سيصاحب ذلك ارتفاع في أسعار السلع كالذهب مثلاً، إلى جانب أن أسواق السلع ستشهد ارتفاعًا بشكل عام بسبب احتمالية هبوط الدولار الأمريكي أيضاً، ولكن التأهب لحدوث التباطوء الاقتصادي العالمي من شأنه أن يحد من مخاطر هبوط الأسواق، حيث أن الشيء المتوقع يكون أثره أقل كثيراً من الشيء غير المتوقع. لذلك كثير من المستثمري من الممكن أن يبدئون في شراء مزيد من الأسهم خلال العام القادم، ولكن بعد أن يتأكدوا أن السوق بالفعل قد امتص الهبوط المحتمل، ومن المتوقع ألا يكون الهبوط كارثي أيضاً لذات الأسباب.