لماذا أبقى الفيدرالي على معدلات الفائدة كما هي؟

لماذا أبقى الفيدرالي على معدلات الفائدة كما هي؟

لماذا أبقى الفيدرالي على معدلات الفائدة كما هي؟

 

 

أعلن أمس البنك الفيدرالي عن الابقاء على معدلات الفائدة كما هي عند 0.25 نقطة أساس، وكان ذلك متوقعا من قبل المستثمرين والمضاربين في الاسواق المالية، حيث لم يكن من الطبيعي رفع معدلات الفائدة البنكية في الوقت الحالي، أو يمكننا القول أنه لم يكن من الممكن رفع معدلات الفائدة في الوقت الذي لم تتعافى فيه الاسواق بشكل كامل.

وفي رؤيتنا للقرار وبناءاً على دراسة الحالة العامة للأقتصاد الامريكي والعالمي قد توصلنا لعدة سيناريوهات هامة والتي يجب على كل مستثمر في الوقت الحالي دراستها والتفكير فيها في حالة اتخاذ أية قرارات خاصة بالتداول والاستثمار في الوقت الحالي.

بكل تأكيد ان الاسباب الرئيسية التي تم اتخاذ القرار على أساسها هي: 

1- عدم القلق من مستويات التضخم.

بعد ضخ الفيدرالي تريليونات الدولارت في الاسواق العام الماضي بعد انتشار فيروس كوفيد 19 كان من المتوقع أن يكون هناك تضخم قوي وهو ما يعني فقدان الدولار الامريكي جزء كبير من قيمته الشرائية، وكان واضح ذلك على الاسواق حيث ارتفع الذهب والفضة الى مستويات سعرية عالية مع انتهاء العام الماضي، ولكن يبدو أن القلق بدأ في التلاشي مع بداية العام الجاري وقد تبين هذا في أداء السلع امام الدولار الامريكي، ولكن في كل الاحوال تم ضخ كميات كبيرة من النقود في الاسواق وهذا بكل تأكيد يعني مزيد من التضخم.

ولكن لا يكون التضخم دائماً أزمة بالنسبة للدولار الامريكي، ربما يرتفع قليلاً ولكنه من الممكن أن يكون تحت السيطرة في الوقت ذاته، لذلك السؤال الاهم هل سيكون التضخم أزمة كبيرة للدولار الامريكي في السنوات المقبلة؟ من الطبيعي أن يُشكل التضخم ضغوط على العملة في الوقت الذي يتم فيه طبع كل هذه الكميات من النقود، ولكن في حالة اتخاذ القرار ذاته من كل دول العالم تقريباً ستجد أن الفارق بين العملات وبعضها ليس كبير وهو ما يعني عدم القلق من العملات الاخري، ولكن القلق قد ياتي من المراهنة عكس الدولار الامريكي في الملاذات الامنة كالذهب.

2- عدم تعافي الاقتصاد بشكل حقيقي.

أما السبب الثاني الذي ربما فكر فيه البنك الفيدرالي هو عدم تعافي الاقتصاد بشكل حقيقي، ويأتي هذا التساؤل مع إبقاء الفيدرالي لمعدلات الفائدة قريبة من المستويات الصفرية في الوقت الذي حققت فيه مؤشرات الاسهم الامريكية مستويات تاريخية جديدة، فقد يسأل البعض لماذا لم يثق الفيدرالي في هذا الصعود القوي الذي حدث في سوق الاسهم ومن ثم رفع معدلات الفائدة بعد رجوع الاسواق لمستويات أفضل مما كانت عليه قبل فيروس كورونا؟

هذا التساؤل له اجابة وحيدة وهو أن الصعود الذي حدث في الاسواق لم يكن صعود يُعتمد عليه من قبل الفيدرالي، ربما كان هذا الصعود فقط بسبب شراء كثير من الشركات لاسهمها بسبب التدفق النقدي القوي الذي حدث، ولكن هذا التدفق النقدي للشركات لم يقابله طلب حقيقي على السلع والخدمات التي تقدمها، من ثم قد تهبط تلك الاسهم مرة اخرى في حالة عدم ملائمة حالة العرض والطلب لأداء سوق الاسهم، ربما هذا هو التخوف من ارتفاعات سوق الاسهم القوي الذي حدث في العام الجاري.

ولكن الواضح أن الفيدرالي لم يرى الاسواق في حالة من التعافي الذي يشير الى رفع معدلات الفائدة، بكل تأكيد كمية النقود في الاقتصاد تكفي لعدم حدوث كارثة نقدية وهي الكارثة التي خاف منها الفيدرالي بكل تأكيد، وهو أن يلجأ المستثمرين والافراد الى تسييل اصولهم مع عدم توافر احتياطي نقود كافي للقطاع المصرفي، كما حدث في أزمة 2008، وهذا يقودنا الى تساؤل هام أخر ما هو الفارق بين أزمة 2020 وأزمة الرهن العقاري في 2008.

أزمة الرهن العقاري في 2008.

الفارق الاهم بين هبوط الاسواق في العام الماضي وهبوط الاسواق في 2008 يكمن في أن الاخير كان بسبب فشل في الاقتصاد الامريكي ذاته، لذلك كانت حالة الفزع في 2008 أكثر قوة وأكثر منطقية في الوقت ذاته، لان فشل النظام يعني عدم القدرة على ادارته وبالتالي يصعب السيطرة على أزمات ناتجة عن فشل الادارة.

أما السبب في هبوط الاسواق في العام الماضي فهو بسبب لا دخل للنظام الاقتصادي للدول فيه، فهو أمر خارج عن ارادة كل الدول، فلم يكن يتوقع أحد ظهور فيروس يؤثر على الاقتصاد بهذا الشكل، ولكن تأثير الفيروس كان على الحالة العامة للطلب على المنتجات فقط ولم يكن بسبب خلل في النظام الاقتصادي ذاته، لذلك عندما بدأ الخوف في التلاشي من قبل الجمهور عاد الاقتصاد على الفور، وهناك فارق كبير بين أزمة ناتجة عن خلل اداري لاكبر اقتصاد في العالم وبين أزمة وقتية لا دخل للنظام الاقتصادي فيها، في الاخيرة ستزول النتيجة بزوال السبب بمجرد الانتهاء من حالة الفزع الناتجة عن الوباء وهو ما قد حدث.

التوقعات ورؤية الفيدرالي. 

بقراءة المشهد الحالي تجد أن الفيدرالي يرى أن الاقتصاد ربما لم يتعافى بشكل حقيقي يُعتمد عليه، وربما أيضاً مستويات التضخم لم تخرج عن السيطرة، أي دمج السببان مع بعضهما البعض، وهذا يقودنا الى تحليل هام جداً وهو أن طبع النقود وحده لا يكفي فالاهم من طبع النقود هو انفاقها، لذلك عندما تبدأ الشعوب في العيش بطريقة طبيعية كما كان الوضع قبل انتشار وباء كورونا سيكون رفع معدلات الفائدة أمر طبيعي في هذا الوقت، أما قبل ذلك فلن يكون هناك رفع للفائدة الا إذا خرجت معدلات التضخم عن سيطرة البنك الفيدرالي.

بكل تأكيد يريد الفيدرالي رجوع الحالة العامة للطلب على المنتجات ومن ثم رجوع الشركات مرة اخرى لتحقيق أرباح حقيقية والرجوع أيضاً الى معدلات نمو جيدة في الاقتصاد بشكل عام، وهو لن يحدث الا اذا عادت مرة اخرى الحالة العامة للطلب كما كانت قبل انتشار الوباء، ولاحظ أن رجوع بعض القطاعات الاساسية في الاقتصاد كقطاع الصناعة والتجارة يعد أحد الامور الهامة فلا يكفي رجوع فقط بعض القطاعات دون الاخرى، ما يريده الفيدرالي هو عمل المكينة الاقتصادية بشكل طبيعي مرة اخرى والرجوع الى مستويات نمو يمكن الاعتماد عليها بشكل كامل في وقف عمليات ضخ النقود المستمرة.