كما ذكرنا في المقال السابق الخاص بهدف النظرية أن تشارلز داو كان يريد معرفة الأحوال الاقتصادية في الدولة، وكان من وجهة نظره أن البورصة تعكس حالة الاقتصاد، ومن ثم صنع لنفسه متوسطات أسعار الأسهم فيما أطلق عليه بعد ذلك بمؤشر الداو جونز الصناعي 30.
الآن بعد أن استعرضنا بالتفصيل هدف النظرية في المقال السابق، سنتحدث عن المبادىء التي تقوم عليها نظرية داو.
المبدأ الأول: المتوسطات تحسم كل شيء
من وجهة نظر تشارلز داو فإن متوسط أسعار الأسهم هي التي تحسم كل شيء، من حيث حالة الاقتصاد والشركات والبزنس في الوقت الحالي، ومن شأنها أيضاً أن تحسم كل شيء متنبأ به في المستقبل. ولذلك صنع تشارلز داو المؤشر الخاص به، وهو كما ذكرنا عدد من الأسهم، وبالأخذ في الاعتبار متوسط أسعار تلك الأسهم، فمن الممكن أن يتوقع ماذا سيحدث في الاقتصاد بناءاً على المعلومات الحالية التي لديه. وبالطبع لم يكن هناك تاريخ لما قد حدث للسهم من قبل حتى يتوقع تشارلز داو ما سيحدث بمقارنته بالماضي، ولكنه كان يحاول أن يرى متوسطات الأسهم لمعرفة ذلك، وكانت هي الطريقة الوحيدة التي من شأنها معرفة ماذا يحدث والحالة المزاجية للمستثمرين وما إلى ذلك.
بالطبع الأسهم التي كانت داخل مؤشر الداو جونز كانت مختلفة عن الأسهم الموجودة حالياً، حيث لم يتبقى من الأسهم التي اختارها تشارلز داو أي أسهم عدا سهم وحيد، وهو سهم جينيرال إليكتريك، أما باقي الأسهم فتم تغييرها حسب المتغيرات الزمانية للشركات، إلا أنه قد تم إضافة أسهم أخرى للمؤشر، حتى يستطيع أن يعبر عن الواقع التاريخي الحالي للاقتصاد. وبالطبع تم إنشاء المزيد من المؤشرات العامة للسوق الأمريكي كمؤشر الناسداك مثلاً، والذي يعبر عن قطاع التكنولوجيا، وذلك لأن مع بداية الألفية الجديدة ظهرت وبقوة شركات التكنولوجيا، وكان لابد من معرفة متوسط أسعار أسهمها، لأنها بالفعل قد دخلت بقوة في القطاع الصناعي للدولة.
المبدأ الثاني: الاتجاهات الثلاث
السوق – أي تحركات الأسهم في العموم – يتحرك دائمًا في اتجاهات، أهمها هو الاتجاه العام للأسعار، وهو ما يطلق عليه الاتجاه الهابط أو الاتجاه الصاعد، والذي يستمر سنة أو أكثر، ويربح السهم معه في حالة الاتجاه الصاعد ما يقارب الـ 20% من قيمة السهم، والاتجاه العام يتخلله حركات معاكسة له، وهي ما تسمى بردود الفعل أو الحركات التصحيحية، وتسمى بالاتجاهات أو التحركات الثانوية، وهذه التحركات الثانوية يتخللها أيضًا تحركات أصغر منها في الحجم والوقت، وتسمى الحركات الصغيرة التي تحدث خلال اليوم الواحد، نظراً إلى أنها تكون ناتجة عن السيولة العالية في السوق، وهذه التحركات ليست ذو أهمية بالنسبة لنظرية داو جونز.
التقسيم الذي تحدث عنه داو جونز في المبدأ الثاني هو منطقي وحقيقي ويحدث باستمرار، وعندما دلل تشارلز داو على هذه التحركات الاتجاهية كان المثال الأوضح هو المد والجزر على شاطىء البحار، حيث أن الموجة القادمة من الممكن أن تحدد مدى قوتها أو ضعفها من النقطة التي تصل إليها على الشاطئ، ومن الممكن أن تعرف بدء ملامح الضعف على الموجات القوية من عدم وصولها لنفس النقاط السابقة، وهو ما يعرف بالانعكاس في التحليل الفني، حيث أن فقدان الزخم هو أول ملامح انعكاس الاتجاه. أما عن التشبيه، فهو يرى أن الموجة هي الاتجاه العام، والموجة يتخللها رجوع مرة أخرى إلى الشاطئ (الجزر) وهو ما يسمى التصحيح أو رد الفعل، وهي الحركة الثانوية. أما الموجات نفسها فيتخللها تحركات بسيطة داخل كل موجة، وهي ما تسمى الحركات الصغيرة، وهي ليست مهمة بالنسبة لداو جونز كنظرية، لأنها تهتم فقط بالاتجاه العام ومناطق انعكاسه، ولكن تظل النظرية إحدى أهم النظريات في التحليل الفني، حيث أنها وضعت القواعد الأساسية لدراسة الرسم البياني، وهو ما سنعرفه في المقالات القادمة عندما نتحدث عن باقي المبادىء الخاصة بالنظرية. والتكوين العلمي للاتجاه أعطى المستثمرين والمحللين أيضاً رؤى واضحة عن كيفية التعامل مع الاتجاهات في الأسواق المالية. وبما أن الرسم البياني في الأخير هو انعكاس لما يدور في عقول المستثمرين والمضاربين، فكان من الممكن دراسة الرسومات السابقة والتاريخية لمعرفة الاحصائيات التي من الممكن أن يبنى عليها التحليل الفني ذاته، وهو ما تم بالفعل، حيث أن المبدأ العام في الاتجاه كما سنعرف في المقال القادم هو أن الاتجاه يظل فعال إلى أن تؤثر عليه قوة خارجية وقوية لانعكاسه. إذًا فالاتجاه دائماً يقاوم عملية الانعكاس إلى أن تأتي المحاولة الأخيرة ويتأكد انعكاس الاتجاه.
في المقال القادم سنكمل مبادئ نظرية داو وكيفية تطبيقها على الأسواق في الوقت الحالي.