160
في خطوة متوقعة ولكن مليئة بالرسائل، قرر مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (Fed) الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير للاجتماع الرابع على التوالي، مثبتًا سعر الفائدة المرجعي بين 4.25% و4.5%، وهي المستويات الأعلى منذ سنوات، ومؤكدًا من جديد استراتيجيته الحذرة وسط عالم تتقاذفه العوامل الجيوسياسية والتجارية.
لكن خلف هذا الثبات الظاهري، تختمر قصة أكثر تعقيدًا. ففي الوقت الذي يحبس فيه المستثمرون أنفاسهم ترقبًا لتوجهات الفيدرالي بشأن الخفض المحتمل للفائدة، جاءت الرسالة مزدوجة: نعم، نحن نتوقع خفضين في 2025… ولكننا منقسمون بشدة حول ذلك.
انقسام داخلي… وانكشاف أمام التضخم
ثمانية من صانعي السياسة النقدية يتوقعون خفضين هذا العام، بينما يرى سبعة أنه لن يكون هناك أي خفض على الإطلاق، في إشارة نادرة إلى حجم الانقسام داخل اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة (FOMC). كما تراجعت التوقعات بشأن التخفيضات في 2026 و2027، في إشارة إلى أن فترة الفائدة المرتفعة قد تطول أكثر مما كان يُعتقد سابقًا. في المقابل، خفف الفيدرالي لهجته الرسمية تجاه المخاطر المستقبلية، فأزال الإشارة السابقة إلى أن “مخاطر ارتفاع البطالة والتضخم قد ازدادت”، وصرّح بأن “مستوى عدم اليقين بشأن الاقتصاد ما زال مرتفعًا، وإن كان أقل مما كان عليه في السابق.”
ومع أن التضخم يبدو وكأنه بدأ يتراجع، إلا أن الفيدرالي رفع توقعاته لمؤشر الإنفاق الشخصي الأساسي (Core PCE) إلى 3.1% لعام 2025، مقارنة بـ2.8% في توقعاته السابقة. كما خفض تقديراته للنمو الاقتصادي إلى 1.4% بدلًا من 1.7%، ورفع معدل البطالة المتوقع إلى 4.5%.
باول: “نترقّب تداعيات الرسوم الجمركية”… وتلميح للصيف
في المؤتمر الصحفي الذي تلا القرار، ظهر جيروم باول، رئيس الفيدرالي، هادئًا لكن حذرًا، مؤكدًا أن الفيدرالي لا يزال ينتظر ما ستؤول إليه تداعيات الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضتها إدارة ترامب، والتي بدأت بالفعل تؤثر في أسعار السلع.
قال باول: “بدأنا نلاحظ بعض التأثيرات، ونتوقع المزيد خلال الأشهر القادمة.” وأضاف: “التصرف المسؤول الآن هو أن نثبت في موقعنا، ونراقب البيانات عن كثب.”
ترامب يضغط… باول يرد: “ما يهمنا فقط هو الاقتصاد”
لكن ذلك الهدوء الفيدرالي لم يمنع عاصفة سياسية من التمركز في الأفق. فالرئيس دونالد ترامب صعّد من لهجته مؤخرًا ضد باول، متهمًا إياه بالتأخر، قائلًا بسخرية:
“أسميه باول المتأخر… ربما عليّ أن أذهب للفيدرالي بنفسي، سأقوم بعمل أفضل بكثير.” ترامب يطالب بخفض الفائدة فورًا، مستندًا إلى تباطؤ التضخم ونجاح الاقتصاد، ويصف الوضع الحالي قائلًا “لا يوجد تضخم… لدينا فقط نجاح. أريد أن أرى الفائدة تهبط.”
أما باول، فأجاب عند سؤاله عن الضغوط السياسية: “نحن نركز فقط على بناء اقتصاد قوي. هذا كل ما يهمنا.”
ماذا يعني ذلك للمستثمرين؟
- ثبات الفائدة لا يعني نهاية التشديد: الفيدرالي لا يرى ضرورة في رفع الفائدة، لكنه أيضًا لا يرى مبررًا قويًا لخفضها حاليًا. الأسواق ستبقى تحت ضغط الترقب حتى إشعار آخر.
- انقسام اللجنة يزيد من التقلبات: التباين الحاد بين أعضاء الفيدرالي يعني أن البيانات الاقتصادية القادمة، مثل أرقام التضخم والتوظيف، ستكون لها الكلمة الفصل. كل تقرير سيصبح أداة لحسم الصراع الداخلي.
- الرسوم الجمركية تدخل دائرة السياسة النقدية: لأول مرة منذ سنوات، تعود السياسة التجارية إلى التأثير المباشر في قرارات الفيدرالي، ما يزيد الغموض حول التضخم.
- ترامب والفيدرالي… معركة قديمة متجددة: تصريحات ترامب تصب الزيت على نار الأسواق، وقد نشهد مزيدًا من التصعيد في حال تجاهل الفيدرالي دعوات الخفض خلال الصيف.
ختامًا: صيف من الانتظار… والقلق
ربما قرر الفيدرالي ألا يتحرك هذا الشهر، لكن الأسواق، والمستثمرين، وحتى السياسيين، بدأوا يتحركون بالفعل. كلهم يترقبون ماذا ستقول الأرقام القادمة، ومتى سيُفرج عن أول خفض للفائدة… إذا حدث أصلاً. وبين انقسام الأعضاء، وتضخم غير مطواع، ورئيس أميركي يضغط من كل اتجاه، تبدو الأشهر القادمة بمثابة صيف محموم للاقتصاد الأميركي.