يجب أن تدير مخاطرك، يجب أن تقطع خسائرك، يجب ألا تخاطر بكثير من رأس مالك حتى تستطيع النجاح، يجب أن تربح، الطمع حل جيد جدًا لتحقيق الثروات، لا يمكنك تحقيق شيء عظيم بدون مخاطرة.
كل هذا مكتوب في كتب التداول، وكل هذه القواعد صحيحة ولكنها متناقضة في جوهرها. إذًا نحن نتحدث عن قاعدة وأخرى مضادة لها، إذًا المطلوب في الأخير هو عمل توازن بين هذا وذاك، بين المخاطرة والأرباح، بين الثروة وبين الخسارة التي من الممكن أن تنهيها قبل أن تتحقق من الأساس. سأتحدث معكم في هذا المقال عن شيء هام جداً في التداول، والذي سيساعدك كثيراً لتكون مضاربًا ناجحًا في البورصة والتداول بشكل عام، ولكن يجب أن تفهم جيداً أن البورصة كما هو معلوم متعلقة جداً بنفسية الإنسان، فدون إدارة نفسك كمضارب في البداية لن تكون هناك أي أرباح، سواء في التداول أو في أي عمل آخر.
يحتاج الإنسان إلى ما يقارب من الخمس سنوات ليكون مضاربًا ناجحًا، وهذا كله بسبب التدريب العملي والعقلي على التعامل مع المخاطرة والتعامل مع سوق البورصة وتحدياتها. ولكي تفعل ذلك تحتاج إلى مدة كافية للإيمان بحقائق ومعتقدات التداول، والتي في غالب الأمر تكون متناقضة مع ما تعتقده كإنسان طبيعي. كيف يتم التعامل مع الشعور؟ كيف يتم تدريب الإنسان ليتحكم في عوامل مثل الخوف والطمع والتردد وما شابه ذلك من أحاسيس؟ الإجابة ببساطة هي أنك تحتاج لوقت كافي، وهي عملية تدريب وتأهيل نفسي تختلف من حيث مدتها من مضارب إلى آخر.
في كتاب قراءة الرسم البياني خطوة بخطوة تحدث أل بروكس عن إحدى أهم القواعد الخاصة بالتحكم في المخاطرة:
وكانت تلك القاعدة هي الخروج من نفسك أثناء التداول. دعني أشرح لك ببساطة، أنت كإنسان جديد في عالم التداول أو حتى محترف عندما تفكر في المخاطرة وأنت خارج السوق ولم تضغط على زر الشراء أو البيع تكون في حالة هدوء عصبي إلى حد ما، فلا داعي للقلق، وعقلك اللاواعي يعرف جيداً أن حتى هذه اللحظة أموالك في أمان، ومهما حدث من كوارث في هذه اللحظة داخل السوق فأموالك لن تتأثر.
إذًا أنت في حالة هدوء مؤقت ونسبي، ولكن عندما تضغط على زر الدخول إلى السوق تبدأ العواطق والمشاعر في الانطلاق، فتجد الخوف قد ازداد بشكل غير طبيعي، وتبدأ في محاربة الخوف بزيادة معدلات الطمع، وتبدأ في التردد بين هذا وذاك، إلى أن تخرج من السوق إما بخسارة أو بأرباح، وبعدها تكون هذه الصفقة مسجلة في عقلق اللاواعي، فإن كانت رابحة فستجد أن تفكيرك يتحكم فيه الطمع أكثر من الخوف، وإن كانت خاسرة ففي الغالب تكون معدلات الخوف عندك في حالة هياج وعند مستويات تحتاج إلى بعض الوقت للتعافي.
وأل بروكس وكل مضارب أو مستثمر ناجح في سوق البورصة يعرف تمامًا ما تشعر به، والأهم من ذلك أنهم يعرفون كيف يستفيدون منه، فيتحكمون هم في أعصابهم ليأخذوا منك ما تبقى في حسابك بعد آخر مضاربة أو عدد من المضاربات. والخروج خارج هذه الحالة التي تسيطر عليك يحتاج أيضاً إلى خبرة كبيرة، فكيف تستطيع أن تنظر إلى السوق نظرة ما قبل دخولك في الصفقة في حين أنك داخلها بالفعل، كيف تستعيد هدوئك الذي كان قبل دخولك السوق وتحملك المخاطرة؟
يرى بروكس أن هذه الطريقة تجعلك تفكر بطريقة صحيحة فيما يخص قطع الخسائر أو جني الأرباح، فعندما ترى أن مستوى سعري مثلاً جيد للبيع الآن وأنت داخل السوق كمشتري فهذا يعني أنك لن تصبر على خسائرك وهو المكان الأمثل للخروج من السوق في هذه اللحظة لأن الأسعار ستسير عكس الاتجاه المتوقع.
وعلى الرغم من بساطة الفكرة إلا أنه أثناء تنفيذها تكون صعبة جداً، فترى أنك متمسك بالصفقة الخاسرة حتى وإن كانت الخسارة تزيد على أمل أن تخرج من السوق عند مستوى جيد، وتظل تفكر بهذه الطريقة إلى أن تجد أن السعر قد بدأ في تكوين اتجاه كامل معاكس لما قد توقعته من البداية. والكارثة أنك لم تكن ترى الاتجاه وهو يتكون أمامك لأن عقلق لم يكن يعي كل هذا، وترى في آخر المطاف الصورة الكبيرة بعد خروجك بخسارة فادحة لتسأل نفسك، كيف تكون هذا الاتجاه ولم أكن ألاحظ؟!
السبب هو أن عقلك لم يكن يرى إلا ما يريده، وهو الرجوع مرة أخرى لنقطة الصفر، حتى تخرج أنت من السوق دون أية خسائر، وهذا لا يحدث. عليك أن تتقبل المخاطرة والخسارة في الوقت المناسب قبل أن يكون من غير المناسب وغير المجدي من الأساس أن تفعل ذلك، ولهذا هناك خطوة سحرية لفعل ذلك.
القاعدة التي من الممكن أن تساعدك أن تفعل هذا هي:
ألا تنظر إلى حسابك أثناء وجودك في السوق. وهذا غير وارد ألا تنظر كيف تسير حركة أموالك ولا أحد يستطيع أن يقنعك بفعل هذا ولا أنت نفسك تستطيع إمساك نفسك عن متابعة سير الصفقة، ولكن الأفضل ألا يكون نفس الحساب الذي تداول عليه، بمعنى أنك تفتح حساب آخر، حتى لو كان حسابًا خاليًا من الأموال أو حسابًا وهميًا مما توفره شركات الوساطة الموجودة حالياً. وبهذا ستفكر بشيء من الحكمة لأنك لا ترى أرباحك أو خسائرك أمامك، وهذا سيزيد من اتساع رؤيتك للسوق فترى متى تخرج من السوق في أماكن جيدة.
التجربة من الممكن أن تكون مرهقة ومشتتة في البداية، ولكن مع الوقت ستكون عادية و بسيطة، شأنها شأن أية طريقة جديدة للتداول. كل ما أود أن تفعله هو الخروج خارج الرؤية الضيقة التي تنظر للسوق من خلالها بسبب الضغط النفسي الناتج عن المخاطرة الموجودة، والتي مازالت موجودة إلى اللحظة التي تنظر وتتابع فيها حسابك وأموالك. أريدك أن تكون هادئًا وتنظر بعقلانية وحكمة للسوق، وهو أمر صعب جداً إذا كنت غير محترف للتداول، وهو ما يأتي بعد أكثر من خمس سنوات كما ذكرنا.