في الوقت الحالي مازالت الأحوال الاقتصادية العالمية غير جيدة من وجهة نظر المستثمرين، مازالت حالة الشد والجذب دائرة بين الدول العظمى فيما يخص الاقتصاد، ومازال المستثمرين حالياً ينظرون إلى الأسواق بشىء من القلق فيما يخص الأحداث المحتملة في العام القادم بالأخص، هل سيكون هناك ركود في الأسواق الأمريكية؟ هل يتباطىء النمو العالمي؟ هل تتأثر التجارة الدولية بالحرب بين الولايات المتحدة الأمريكية؟
الحرب التجارية
مازالت أثار الحرب التجارية تسيطر بشكل كبير على المستثمرين في الوقت الحالي، فالصراع التجاري بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم بكل تأكيد أثر على نفوس المستثمرين حول العالم، وبكل تأكيد أيضاً أثر على عملية التجارة الدولية والإنتاج لكل من الدولتين، ولأن التجارة الآن تعتبر عالم مفتوح بين جميع الدول، فبكل تأكيد قد تأثرت أسواق أخرى غير الأسواق الأمريكية والصينية.
حالياً هدأت الأسواق قليلاً وشهدنا ارتفاعات في مؤشر الداو جونز بعد اتفاق الولايات المتحدة والصين على أن يتم عقد اجتماع لمناقشة مايخص التعريفات الجمركية، والتي كانت أهم أسباب الحرب التجارية، ولكن هذا الهدوء بكل تأكيد نابع من أن المضاربين على المدى القصير والأخبار الوقتية قد هدأو قليلاً وهو ما دفع مؤشرات السوق الأمريكي إلى الصعود قليلاً بشكل طبيعي وهادىء.
ولكن لا أتوقع أن يكون الاجتماع القادم سيكون الحل الجذري للحرب التجارية، فإذا كان الحل بهذه البساطة لما كان هناك حرب تجارية من الأساس، ولكن الإدارتين الأمريكية والصينية عنيدين جداً فيما يخص الاقتصاد الوطني، وهذا أمر طبيعي عندما تتحدث عن قوتين كالصين و أمريكا. وحتى إذا كان هناك اتفاق على عدم رفع التعريفات الجمركية مرة أخرى، فمازالت الحرب دائرة بسبب رفعها فيما مضى، ومازالت أيضاً الصين ترى أن الطلبات الأمريكية غير منطقية، ومازالت الولايات المتحدة الأمركية ترى أن اتفاق التجارة مع الصين كان سقطة كبيرة من الحكومة الأمريكية فيما مضى، فالموضوع ليس بسيط فهو أمر مرتبط بشكل قوي بأساس الاقتصاد الأمريكي أو الصيني. وعلى الرغم من أن النتائج المحتملة قد تضر ليس فقط الدولتين، وإنما العالم التجاري والصناعي بشكل عام، إلا أن احتداد النزاع التجاري بين الرئيس الأمريكي ونظيره الصيني أعطى مؤشر عن احتمالات دخول الحرب في دائرة السيادة والعناد الشخصي.
وعندما تخرج الأمول عن نصابها فترى النتائج تسوء بشكل تدريجي لتخرج الحرب من كونها تجارية إلى حرب سياسية. وظهر هذا في تصريح الحكومة الصينية عندما صرح مسئول منها عن أن الصين لم تكن ترغب في حرب تجارية ولكنها أيضاً لن تخاف من خوضها.
البريكسيت
أما عن الجدل الخاص بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فهذا أيضاً زاد من الضغط على الاقتصاد العالمي. انضمت المنطقة الأوروبية إلى دائرة التخبط منذ أن طُرحت قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومازالت إلى الآن النزاعات السياسية في بريطانيا دائرة بين الحكومة والبرلمان الأوروبي، ومازالت احتمالات خروج بريطانيا دون اتفاق قائمة، ومازالت أيضاً احتمالات فشل الخروج واردة بعد وقوف البرلمان في وجهه رئيس الوزراء، بوريس جونسون.
وجهة النظر المنطقية تتمثل في أن طريقة عرض رئيس الوزراء الجديد لقضية الخروج كان خاطئ، وعلمنا التاريخ أن الاعتماد على كاريزما الصوت العالي كذريعة لكسب المعركة الانتخابية فيما يخص أي منصب مهم في أي دولة أثبت فشله بشكل قاطع.
إن الحكمة فقط هي الطريق الأمثل إلى الحُكم، ولم يكن هناك أي حكمة في تصريحات رئيس الوزراء البريطاني الجديد، فكان تصريحه منذ البداية أن بريطانيا ستخرج من الاتحاد الأوروبي في أكتوبر القادم، سواء كان هناك اتفاق أم لا، وفي هذا التصريح يستطيع أي إنسان عاقل أن يكشف شخصية رئيس الوزراء الجديد لبريطانيا، فهو عنفواني، ويميل إلى الاستعجال في أخذ القرار، والأهم من ذلك أنه لا يبالي ما إذا كانت النتائج مُضرة أم نافعة له وللاتحاد الأوروبي، وهو ما حدث من قبل من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، فعندما اكترث الأخير فقط للمصلحة الأمريكية، تأثر بالسلب الاقتصاد الأمريكي والصيني وربما العالمي.
الحكمة في اتخاذ القرارات هي الطريق الوحيد إلى الوصول إلى اتفاق، لذلك لا أرى أن حلولاً جذرية في انتظار اجتماع الصين وأمريكا، وإن كنت أرى أن الإدارة الصينية جيدة فيما يخص المفاوضات العقلانية بشأن الحرب التجارية، ربما نحن الآن على موعد مع استعادة الحُكم بكاريزما الصوت العالي في العالم، وهو ما يعني غياب الحِكمة.
الركود المحتمل
الذهب مازال هو الملجأ الأفضل حالياً بالنسبة لكثير من المستثمرين، والفضة أيضاً كان أدائها جيد جداً في الشهور الماضية نظراً لأن سعرها كان جاذبًا جداً للاستثمار. أما المؤشرات الأمريكية فمن الطبيعي أن يكون هناك ردات قوية للسعر بعد الهبوط الذي حدث بسبب أخبار السوق السلبية، ولكن علمنا التاريخ أيضاً أن كل الكوارث الاقتصادية في البورصة شهدت فيها الأسهم ارتفاعات بين 15 إلى 50% وهذا لم يمنع السوق من الهبوط كما حدث في الكساد الأعظم في 1930.
في كل مرة يكون هناك فقاعة مثلاً يكون هناك من يظن أن الهبوط قد انتهى، ويريد شراء الأسهم سريعاً بسعر جيد، وهو ما يتسبب في مزيد من الهبوط والخسائر. الارتفاعات الوقتية للسوق وقت زيادة احتمالات، والهبوط شيء طبيعي ولكن غير مُجدي.