Table of Contents
ماذا جعل الولايات المتحدة الأمريكية تتربع على عرش العالم اقتصادياً، وما سبب أن تكون الدولة الأولى اقتصاديًا، وكيف أتبع ذلك أن تكون الدولة الأولى من حيث القوة أيضاً؟
هذا السؤال له إجابات كثيرة، منها السياسية ومنها الاقتصادية، وهو ما سنتحدث عنه الآن. وسنركز أيضًا على الدول العربية كأمثلة لنماذج الفشل والنجاح في المرحلة الحديثة للتاريخ الاقتصادي. هناك معايير كثيرة منها الاقتصادية البحتة ومنها ما هو ظهر حديثاً، سواء كانت معايير بسيطة أو متطورة، وهو ما دفعني إلى كتابة هذا المقال. كيف يمكن للدولة أن ترتقي اقتصادياً، وكيف تنهار الدول اقتصادياً؟
هناك أمور كثيرة يجب النظر إليها والتركيز عليها ودراستها، لأننا قد نعيش اليوم في عالم مغيب اقتصادياً ومالياً. فقد ترى مواطن في دولة ما يدفع ما يقارب راتبه السنوي في مقابل أن يشتري سلعة ترفيهية كالتليفون المحمول مثلاً، أو قد تجد آخر في دولة أخرى يركب سيارة فارهة هو في غير حاجة لها، وقد تمثل عبءً كبيرًا على مستوى الدخل الخاص به، وقد ينتج عن هذا مشاكل أخرى اجتماعية واقتصادية.
صحيح أن من مصلحة الاقتصاد الوطني أن تتم عملية الإنفاق الاستهلاكي بنجاح، وأن يستمر السوق في الحركة التي من المفترض أن تكون دائمة ومشجعة للصناعات والإنتاج، ولكن الموازين تنقلب في العادة بسبب تحول المجتمع من مجتمع يوازن بين الاستهلاك والإنتاج إلى مجتمع استهلاكي فقط. وهنا تغيب العقول مع الوقت ومع مرور السنين تنقلب الموازين فتصبح الأجيال الجديدة لا تفكر مالياً بطريقة صحيحة لأنهم نشئوا في بيئة لا تحث على الادخار أو الاستثمار ولا تعرف كيفية التعامل مع الأموال ولا مع الاقتصاد ويتبع هذا ما يلي:
1- انهيار الحياة الاجتماعية وتفشي الجهل المالي
والجهل المالي هو جزء من الجهل بشكل عام، ولكنه مضر بالاقتصاد وموصول به لدرجة قد لا يتخيلها البعض، فعندما تكون جاهلاً بكيفية إدارة مستواك المعيشي، فمن الممكن أن تتحول حياتك إلى مرحلة الضوائق المالية، وهي المرحلة التي في الغالب تكون بداية انهيار حياتك الأسرية والاجتماعية كما يحدث الآن في بعض الدول النامية. انهيار الحياة الاجتماعية يعني مجتمع مليء بالبطالة والجهل والتفكك الأسري، ويكون في الغالب مجتمع منعدم الكفاءات.
2- الجهل يؤدي إلى عدم الوعي
وأود أن اتحدث هنا عن الوعي القانوني واحترام القانون بالأخص، بما أنه أكبر كارثة تهدد الاقتصادات النامية. وعلى الرغم من أن كثيراً من المواطنين قد يفعلوا أشياء هم لا يعرفوا حجم تأثيرها على الاقتصاد ورخاء الدول، ومنها مثلاً عدم احترام القوانين العامة كالمرور وعدم احترام قوانين الملكية الخاصة والعامة، ففي بعض الدول قد تجد أن القانون ضعيف بالحد الذي يسمح إلى أفراد الدول ممن ليس لديهم الدراية الكافية بأهمية القوانين قد تستبيح الحصول على ملكيات عامة أو خاصة بدون وجه حق. وفي هذا أجريت إحصائية أمريكية ذكرت في كتاب “كيف تعمل آلة الاقتصاد”، حيث تحدثت هذه الإحصائية على أن احترام القانون وتطبيقه يؤثر بنسبة 57% على نمو الدول في المستقبل، وهذه الاحصائية قد أخذت في الحسبان تاريخ ما يقارب 20 دولة نامية ومتطورة لترى كيف يؤثر احترام القانون على ارتقاء الدول في المستقبل.
وفي هذا يجب أن تعرف أن المستثمرين الأجانب والمحليين لن يستثمروا أبداً في دول لا تحترم القانون، وشعبها جاهل بالقواعد القانونية، ويميل إلى العشوائية والتخلف، لأنهم في هذه الحالة قد يقلقون على مستقبل الدول والتي تكون مرتبطة بمستقبل استثماراتهم أيضاً.
3- الفساد
كان للفساد في تلك الإحصائية أيضاً نصيب كبير، حيث أنه يؤثر بنسبة 58% على احتمالات نمو الدولة في المستقبل. والدول الأكثر فسادًا تميل دائماً إلى الفشل في الارتقاء والنمو الاقتصادي. والفساد بؤثر بالفعل بكل صوره خاصة في الدول النامية، فارتفاع أحجام الفساد تمنع أيضاً الاستثمار الأجنبي والمحلي من الاستمرار أو البدء من الأساس. وقد يفعل مواطني الدول أمور كثيرة تضر بمصلحة الدولة وهم لا يعلمون أنهم السبب الحقيقي والرئيسي وراء زيادة معدلات الفساد، من أول المرتشي البسيط إلى السارق الكبير، كل هذا يؤدي في النهاية بعد التراكم إلى ازدياد أحجام الفساد بالتالي يتبعه انهيار للنظم الاجتماعية والاقتصادية على حد سواء. وقد وجد أن الدول الفقيرة والأقل في مستويات التعليم دائماً ما تكون الأكثر فسادًا والأكثر من ناحية عدم احترام القانون.
4- البيروقراطية
من دراسة أهم 20 اقتصاد للـ 500 عام الماضيين تم الحصول على نتائج مبهرة للدول النامية والدول العظمى على حد سواء، فالبيروقراطية تؤثر بنسبة 32% في ارتقاء الدولة اقتصاديًا في المستقبل، والدول التي بها قدر كبير من البيروقراطية دائماً ما تتمتع بأقل قدر من الاستثمارات الأجنبية والمحلية. البيروقراطية موجودة في جميع الدول، ولكن نسب البيروقراطية هي التي تختلف. وهناك مراحل تكون البيروقراطية أو القوانين المنظمة جيدة وفي صالح الدول، كما هو الحال في كثير من الدول العظمى، ولكن سهولة التعامل مع الدولة في الغالب يزيد من تدفقات رؤوس الأموال إليها من الخارج ومن الداخل. والبيروقراطية كما هو معلوم هي القوانين المنظمة للعمل داخل الدولة، لذا يجب أن يكون هناك ميزانًا جيدًا بين أن يكون هناك قانون تحمي الدولة من عدم المساس بحقوقها، وأن تتمتع تلك القوانين بقدر من السهولة واليسر حتى لا تكون عائقًا أمام المستثمرين.
وأتحدث كثيراً عن الاستثمار لأن عملية الإنتاج هي الأهم في ارتقاء الدول في المستقبل من الناحية الاقتصادية، وزيادة معدلات النمو بدراسة الإحصائيات هي دائماً مرتفعة في الدول التي تتمتع بمؤشرات جيدة للتعليم واحترام القوانين وعدم وجود فساد أو بيروقراطية وارتفاع معدلات الاستثمارات الأجنبية والوطنية. وذلك كله من شأنه أن يزيد من معدلات الإنتاج والرخاء الاقتصادي وزيادة معدلات الإنفاق وزيادة الاختراعات التي قد تدفع الدول إلى الأمام.
وكل مواطن هو مسئول في الحقيقة عن الحال التي تكون عليها دولته، فكل شعب مسئول بشكل قوي عن ما إذا كانت دولته قوية اقتصادياً أم لا. والدولة أيضاً مسئولة من ناحية تعليم شعبها واحترام تلك القواعد والقوانين عن طريق التعليم، فالتعليم يؤثر في ارتقاء الدولة في المستقبل بنسبة 50% تقريباً كما جاء في الإحصائيات التي تحدثنا عنها.