التحليل الفني هو العلم الذي حير كثير من المضاربين في عالم التداول، خاصة في الأوقات الحالية والتي تشهد فيها الأسواق المالية إقبالاً كبيرًا من قبل طوائف عمرية كثيرة. الاستثمار الآن في الأسواق المالية والبورصة أصبح أسهل مما كان نظراً إلى التطور الكبير في الإنترنت، وعندما تريد أن تصبح مضاربًا ناجحًا يجب أن تكون محللاً جيدًا على الأقل حتى تستطيع شراء أو بيع العملة أو السهم في التوقيت الصحيح.
ولكن هناك أخطاء كبيرة وكثيرة هي التي تمنعك من أن تكون هذا المحلل الجيد حتى تستطيع الحصول على أرباح معقولة، أهمهما وأكثرها شيوعاً هي التحليل الفني. علم التحليل الفني الذي يرى جزء كبير من المضاربين أنه العلم الأسهل للحصول على الأرباح، وأعني بكلمة أسهل أنه أيسر في فهمه من علم الاقتصاد، أو التوقع عن طريق الاقتصاد، وهو ما يسمى التحليل الأساسي ( Fundamental analysis )
ولكن الحقيقة أنه لا يوجد علم أسهل من الآخر، والأهم أنه هناك أوقات يجب أن تستخدم فيها التحليل الأساسي، وهناك أوقات أخرى يجب أن تستخدم فيها التحليل الفني. وإن كنت لا تفعل ذلك فهذه ليست المشكلة، المشكلة هي أن ترفض الحقيقة لمجرد أنك لا تفعلها، وهي المشكلة الأكبر، وهي السبب الرئيسي في خسارة كثير من المضاربين.
نحن الآن نتحدث عن علم، وسنتحدث عنه بأسلوب علمي أيضاً، ولن نخوض كثيرًا في شروحات تخص التحليل الفني، ذلك لأنه موضوع لا يكتب أبداً في صورة مقال، وإنما تؤلف فيه كثير من الكتب. وهذا أيضاً لا يعني أنه علم المستحيل، فمن الممكن أن تصبح محللاً جيدًا، واستخدم هنا لفظ جيد لأنه كافي جداً للحصول على أرباح من الأسواق المالية. أنت لا تحتاج أن تكون خبيرًا إذا كنت تريد أن تصبح مضاربًا ناجحًا، وإنما قد تحتاج أن تتعمق في علم التحليل الفني إن كنت تريد العمل به كعلم، وعندها ستحتاج إلى أن تقرأ كثيراً عنه.
تشارلز داو والمتاهة الحالية ..
بدأ علم التحليل الفني عند تشارلز داو، وهو صاحب نظرية داو جونز. وقد ألف تشارلز داو فكرة اتجاهات السوق لمعرفة أحوال الاقتصاد في وقته، وصنع لنفسه مؤشرات كالداو جونز فقط لمعرفة أحوال الاقتصاد، وذلك لأنه كان يعمل صحفيًا آنذاك. ولم يفعل تشارلز ذلك ليضارب على الأسهم في وقتها، وإنما كان الهدف هو معرفة أحوال الاقتصاد وقطاع الأعمال. وبعد ذلك أصبح التداول باستخدام التحليل الفني شيء أساسي في الأسواق المالية، والآن أصبح يمكنك الاعتماد عليه كعلم لتضارب في الأسواق المالية أو أن تستثمر في الأسواق المالية، ولاحظ أنني ذكرت المضاربة ( Trading ) والاستثمار ( Investing )
وهنا تقع المشكلة الأساسية، وهي عدم معرفة الفرق بين الاثنين، أو معرفتهم ولكن عدم معرفة أن لكل منهما أسلوبًا من التحليل الفني لا يتماشى مع الأخر، فدعني أثبت لك هذا.
في كتب التحليل الفني الكلاسيكية، ككتاب جون ميرفي أو إدوارد أند ماجي كأهم المراجع العلمية أو الكتب التي كتبت عن التحليل الفني، فستجد كل منهما يتحدث عن التحليل الفني الذي كان منبعه عند تشارلز داو. والمشكلة الأساسية هي أن تشارلز داو كان يتنبأ بأحوال الاقتصاد على المدى البعيد، وأن علم التحليل الفني الموجود في هذه الكتب بأي حال من الأحوال صعب استخدامه على المدى القصير في التداول، وإنما هو جيد بالنسبة لتحليل الأسواق على المدى الطويل. ومن المعروف أن تشارلز داو كان لا يهتم بالحركات الصغيرة للسعر، والمشكلة أن هذه الحركات هي التي يعتمد المضارب عليها. إذًا هناك مشكلة الآن!
كيف يتم الاعتماد على هذه الكتب في التداول في حين أن التداول يستخدم تلك التحركات السعرية التي لم تعطيها اهتمامًا كل تلك الكتب، ولا حتى صاحب الجذور الفكريةلهذا العلم، أي تشارلز داو؟
الإجابة بسيطة جدًا، نحن ندرس بطريقة خطأ، فإن كنت تريد المضاربة على المدى القصير فهذه الكتب لن تنفعك، وإن كنت تريد أن ترجع إلى هذه الكتب لتعرف أنني على صواب ففي كتاب إدوارد أند ماجي، خاصة في الجزء المخصص لمبادئ نظرية داو جونز، ستجد أن من مبادئ النظرية أن الاتجاهات تسير في ثلاث حركات، الحركة الرئيسية والحركة المعاكسة لها، وهي الحركة الثانوية، والحركة الأخيرة هي التي لا يعطيها تشارلز داو اهتمامًا من الأساس، فقد شبهها بالمد والجزر. وستجد على هذا الموقع سلسلة مقالات بعنوان مبادئ نظرية داو جونز تحدثت فيها وناقشت مبادئ النظرية بشكل مفصل.
هنا نأتي للمشكلة الأكبر، هل علم التحليل الفني لا يمكن استخدامه على المدى القصير؟
لا .. من الممكن استخدامه على المدى لقصير، ولكن ما أعنيه هنا هو أن تلك الكتب ليست الخيار الأفضل للتداول على المدى القصير، ولكن هذا لا يعني أنها الكتب الوحيدة، فهناك مضاربون كثيرون قد كتبوا في علم التحليل الفني، وأكثرهم عبقرية من وجهة نظري هو أل بروكس، والذي كتب سلسلة كتب مكونة من ثلاثة كتب منفصلة عن التحليل الفني على المدى القصير، وأسماها ( Reading chart bar by bar ) وتعريف العنوان هو قراءة الرسم البياني شمعة بشمعة، وذلك لأنه بالفعل يستخدم هذا الأسلوب في التداول، وهو قراءة تحركات السعر على المدى القصير.
هنا يأتي الفارق الكبير بين كتب التحليل الفني الكلاسكي وكتب التحليل الفني المتطورة التي لا يسمع عنها كثيرًا من المضاربين حتى الآن، ولا يعرف أهميتها كثيرًا من المضاربين والمستثمرين على حدٍ سواء. وقد يكون للمستثمر عذرًا، ألا وهو أن تلك الكتب لن تفيده في شيء لأنه يستخدم استراتيجيات الاستثمار التي تتناسب مع ما درسه، إلا أن هذا العذر غير مقبول من المضاربين على المدى القصير، لأن تلك الكتب لن تفيدهم إلا إن كانوا من الخبراء فيعرفون كيف يستخدموها على المدى القصير بناءاً على ما لديهم من خبرات.
هذه الكتب تمكنك كمضارب من التعامل مع التحركات البسيطة للأسواق، وتعلمك كيفية التعامل مع الرسم البياني والتداول على المدى القصير، بدءًا من الإطار الزمني للدقيقة الواحدة حتى الإطار الزمني الشهري. ولكن من منظور مختلف أطلق بروكس على ما يقدمه في هذه السلسلة من الكتب اسم التحليل الفني المتطور، نظرًا لأنه يشير للآخر بأنه كلاسيكي. وأنا لم أرى في حياتي كاتبًا في علم التحليل الفني عرضت نظريات وإحصائيات للتحليل الفني كأل بروكس، فهو على أي حال عبقري. وعلى الرغم من أن الكتب كبيرة وصعبة إلى حد كبير، حيث أخذت مني أكثر من ثلاث سنوات لفهمها وقرائتها، إلا أنها سوف تنقلك من عالم الهواة إلى عالم المحترفين.