كل عام تستمع عزيزي المراقب للاسواق العالمية بأن أزمة مالية قادمة ستهوي بأسواق المال وتدمر الاقتصاد
صورة قاتمة بالغة التشاؤم يرسمها مراقبون لا يتمتعون عند الإعلان عنها بأي مهنية عدا حديثهم العاطفي الذي تكون عندهم جراء حركة السوق العنيفة أو الشهرة التي يسعون لها
منذ سنوات كنت أسأل نفسي كيف لنا أن نعرف أن أزمة مالية كالتي حدثت قبل 10 أعوام حتما ستعود؟
وبعد البحث وجدت أن هناك مؤشرات اقتصادية اكدت أن كارثة مالية ستحل حينها وذلك قبل أن يدركها العامة
ولذلك فإننا نتابع باستمرار المؤشرات الاقتصادية لكبرى الاقتصادات بهدف معرفة اتجاهها هل نحو تسارع النمو أو نحو التباطؤ أو نحو كارثة مالية!
حتى اللحظة فإن هذه المؤشرات تقول أن لا كارثة مالية ولا أزمة عالمية خانقة ولا كساد قادم بشكل حتمي كما يشير إليه البعض
واليكم بعض الاختلافات الجوهرية بين كارثة عام 2008 والآن:
حيث في الأزمة المالية العالمية الأخيرة شهدنا افلاس ليمان براذرز في 14 سبتمبر 2008 وافلاس جينرال موتورز وبرامج انقاذ للبنوك التي عانت كثيرا لانقاذها
أما الآن فلا افلاسات في كبرى البنوك والشركات بل استمرار في الربحية وفق ما شهدنا عن الربع الثاني من هذا العام
بعد افلاس ليمان براذرز هوى مؤشر استغلال الموارد الامريكي من 78.9 إلى 68
أما الآن فالمؤشر عند 77.5 أي أن الشركات ماتزال تستغل الموارد للانتاج جراء الطلب على منتجاتها وبالتالي فإن النشاط الاقتصادي الامريكي يسير بشكل جيد
في الأزمة المالية العالمية الأخيرة انكمش الناتج المحلي الاجمالي الامريكي 3.9% في الربع الثاني من عام 2009 أي بعد تدهور مؤشر استغلال الموارد الذي كان من اهم المؤشرات الاولية السباقة لمعرفة حدوث الانكماش
أما في الربع الثاني من عام 2019 فنما 2.1% وفق القراءة الأولية
بعد الأزمة العالمية المالية اصبح النظام المالي اقوى عبر قوانين صارمة واختبارات تحمل ناجحة ومراقبة مستمرة للشركات الكبرى التي يجب أن لا تسقط في الافلاس
في عام 2009 ومع اشتداد الازمة العالمية تراجع مؤشر مبيعات التجزئة الاساسي خلال 5 اشهر متتالية مما افقده حوالي 10%
أما الآن فمبيعات التجزئة الاساسية نمت في آخر 5 اشهر واخر نمو شهري لها بلغ 1%
إذا من هذه البيانات وغيرها كاستمرار تدني البطالة واستمرار تكوين الوظائف فإن الاقتصاد الأمريكي حتى الآن لا يشير إلى أنه سيكون سببا في أزمة مالية عالمية كبيرة أو كساد عالمي
حتى في الاقتصاد الصيني فإن نسبة نمو استثمارات الشركات الاجنبية في الصين سنويا حتى يوليو الماضي بلغت 7%
وفي عام 2009 عندما اشتدت الازمة المالية العالمية كان هناك تراجع بهذه النسبة بلغ 32.6% ولم تتعافى إلا بعد 12 شهر
نمو الناتج المحلي الاجمالي الصيني مايزال فوق 6% والقطاع الخدمي مايزال ينمو ومبيعات التجزئة نمت سنويا 7.6% بالرغم من تباطؤها من 9.8%
الضرر الذي يلحق بالاقتصادات الكبرى هو في القطاع الصناعي الذي ينكمش منذ اشهر جراء المخاوف من الحرب التجارية
الحرب التجارية وحدها بين اقتصادين كبيرين لا تستطيع تكوين كساد عالمي كون الاسواق الاخرى مفتوحة والرسوم المفروضة نسبية يمكن للشركات تقبلها على مضض
حتى في عام 2015 و2016 كان هناك انكماش في القطاع الصناعي الصيني لـ7 اشهر متتالية ثم عاد وانتعش مع برامج تحفيزية ساعدته على ذلك ولم يسبب ذلك ازمة مالية عالمية
القطاع الصناعي في منطقة اليورو واليابان وكثير من الاقتصادات أصابه الضعف أيضا إلا أنه لم يسبب حتى الآن افلاسات بشركات كبرى أو انكماش في القطاعات الاخرى الحيوية المؤثرة
البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وحتى اوبك كلها ترى استمرار نمو الاقتصاد العالمي هذا العام والعام القادم بين 2.5% إلى 3% وما تم هو مجرد خفض لتوقعاتهم السابقة وفق تطورات الحرب التجارية وآثارها
إن تراجع عوائد السندات السيادية في كبرى الاقتصادات يعكس الحاجة للتحفيزات النقدية وخفض معدلات الفائدة وخاصة على الدولار الأمريكي لاعادة انعاش الاقتصاد العالمي ولا يشترط أن يعكس أن هناك كساد عالمي حتمي
عملياً لا أحد يمكنه الجزم بما سيحدث بعد عام أو اكثر ولكن الحديث الآن عن أن هناك مؤشرات اقتصادية تؤكد أن الركود الاقتصادي العالمي حتما سيحدث هو كلام غير صحيح
فالمؤشرات التي ذكرنا وغيرها عشرات من المؤشرات تبين أن هناك مجرد تباطؤ يمكن معالجة جزء كبير منه عبر خفض معدلات الفائدة وعبر برامج الاقراض والتيسير الكمي وايضا الاتفاقات التجارية وأنه حتى الآن لا حتمية على أن ركود أو كساد عالمي قادم.