شهدت مؤشرات الأسهم الأمريكية تراجعًا حادًا اليوم، في انعكاس واضح لحالة القلق وانعدام اليقين التي تخيم على المستثمرين تجاه السياسات الاقتصادية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
فقد تراجع مؤشر ناسداك خلال التداولات بنحو 6%، في حين خسر مؤشر S&P 500 قرابة 5%، وذلك بعد يوم واحد فقط من انتعاش غير مسبوق ارتفع خلاله ناسداك بنحو 12%، ومؤشرا S&P 500 وداو جونز بأكثر من 10%.
ورغم أن هذا التراجع جاء عقب إعلان ترامب تراجعًا تكتيكيًا عن قراره السابق بفرض رسوم جمركية شاملة على جميع الدول، إلا أن الأسواق لم تتجاوب بإيجابية. السبب الأساسي يكمن في فقدان الثقة.
المستثمرون لم يعودوا يرون في قرارات ترامب خطًا استراتيجيًا واضحًا، بل سلسلة من المواقف المتقلبة، بدأت بفرض رسوم على كندا والمكسيك، تراجُعًا مؤقتًا عنها، ثم إعادة فرضها. ثم جاءت الرسوم الشاملة على جميع الدول، تلتها خطوة تراجعية جديدة، بإبقاء 10% كأرضية ثابتة، ومحاولة تهدئة الأسواق دون معالجة الأسباب الحقيقية لقلقها.
لكن هذه التهدئة لم تكن كافية، فـ الرسوم العقابية على الصين لا تزال قائمة بنسبة تصل إلى 125%، كما أن ترامب أكد عزمه الاستمرار بفرض رسوم على قطاعات مختلفة مثل السيارات وقطع الغيار بنسبة 25%، والصلب والألمنيوم، بالإضافة إلى تهديدات بفرض رسوم على قطاعات إضافية مستقبلًا.
والأهم أن هذا الإطار من السياسات الحمائية، رغم تراجعه الجزئي، يحمل تأثيرات تضخمية لا يمكن تجاهلها، ويزيد من أعباء الاقتصاد المحلي، ويؤثر سلبًا على سلاسل التوريد والتكاليف النهائية.
أما على مستوى حركة السوق، فهناك مؤشرات فنية لا تقل أهمية:
- خلال التراجعات السابقة، سُجلت أحجام تداول قياسية بلغت 29 مليار سهم في يوم واحد، وهو مستوى لم يُسجّل منذ الأزمة المالية العالمية.
- أما في جلسة الارتفاع القوي بالأمس، فكانت الارتفاعات سعرية فقط، دون دعم فعلي من أحجام تداول قوية، ما يثير الشكوك حول مدى استدامة هذا الصعود.
إضافة إلى ذلك، فإن تراجع الدولار الأمريكي يعكس خروج السيولة من السوق الأمريكي، وغياب الطلب عليه لشراء الأصول الأمريكية، ما يعزز فرضية التخارج المؤسسي من أسواق الأسهم الأمريكية.
وكل هذا يؤكد حقيقة واحدة:
أن فقدان الثقة يولّد استمرارية في اضطراب أسواق المال.
نعم، قد يكون هذا الاضطراب بدرجة أقل الآن مع خفض حدة الرسوم، لكن ذلك لا يمنع من احتمال تسجيل قيعان جديدة في موجة الهبوط الحالية، خاصة إذا لم تظهر سياسات اقتصادية واضحة ومستقرة.
وفي المقابل، إذا كان دونالد ترامب جادًا فعلًا في خفض التصعيد والتوصل لاتفاقات اقتصادية حقيقية، فإن ذلك قد يسهم في إعادة بناء الثقة تدريجيًا.
لكن المسؤولية الأكبر تقع على البيت الأبيض، فهو من أفقد الأسواق الثقة، وعليه اليوم أن يبادر بإعادتها.