كنا والكثيرين نعتقد أن الصين هي الخاسر الأكبر في حربها التجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية
إلا أننا وبعد صدور البيانات السنوية عن عام 2018 نؤكد لكم أن الأمر مختلف تماماً
ولقياس مدى تأثر الاقتصاد الصيني بتلك الرسوم التجارية الأمريكية فيجب أن ننظر إلى الميزان التجاري بين البلدين
والمفاجأة كانت بأن عام 2018 حمل أكبر فائض تجاري لصالح الصين في 7 سنوات!
وبنسبة نمو 17.2% وفائض يقدر بـ 323.32 مليار دولار أمريكي!
ومنها نستنتج فشل سياسة فرض الرسوم بأن تخفض عجز الولايات المتحدة الأمريكية التجاري مع الصين
ويأتي ذلك أيضا بسبب فرض رسوم مشابهة من قبل السلطات الصينية رداً على الرسوم الأمريكية
فإذا لماذا شهد الاقتصاد الصيني تراجع في وتيرة النمو وتأثر بارز للقطاع الصناعي في تلك الفترة؟
يبدو أن الأسباب لها علاقة عميقة أكثر بالأسواق الاسيوية والناشئة والتراجعات التي تعرضت لها في عام 2018 جراء ارتفاع الدولار وتكلفته
الصين وفق ناتجها المحلي الإجمالي نمت العام الماضي وفق قراءة أولية بمعدل 6.4%
أي ما يزال معدل نموها قوي جدا مقارنة بما أصبح عليه حجم اقتصادها
عند حجم ناتج محلي اجمالي بحوالي 13 تريليون $ في العام الماضي
ولذا فإن تباطؤ نموه يعتبر أمر طبيعي نظرا لتزايد لحجمه
الرسم التالي يبين حصة كل قارة من الصادرات الصينية وبها يتبين أن اسيا تشكل حوالي نصف الصادرات وأن القارتين الامريكيتين حوالي ربعها فقط
ذلك يؤكد مع الأرقام السابقة بأن تباطؤ أسواق اسيا العام الماضي مرفق بتراجع نمو اقتصادات أوروبا التي تؤثر على حوالي 20% من صادراتها هو السبب الأساسي لتباطؤ اقتصاد الصين وليس الحرب التجارية الامريكية
وعليه فإن التوصل لاتفاق تجاري مع الولايات المتحدة الأمريكية لا يشترط أن يعيد وتيرة النمو للارتفاع ولا يشترط أن يعوض تراجعات مؤشر شنجهاي الصيني للاسهم
شنجهاي بلغ عمق تراجعاته العام الماضي حوالي 25% واليوم يقع بتراجع سنوي عند حوالي 16%
وبخلاف الاقتصاد الأمريكي الذي استمر بنمو قوي اغلب العام الماضي وانعكس ذلك على الداو جونز الذي يعتبر مرتفع خلال عام بشكل بسيط ولم يتعرض لهذا العمق من التراجع
وأما أسواق الأسهم الأوروبية التي تتباطأ اقتصاداتها فأيضا خلال عام متراجعة بشكل بسيط واعمق تراجعات لمؤشر ستوكس 600 ومؤشر الداو جونز كانت بحوالي 10% فقط
ونتوقع أن سبب ذلك كونهما أقل تأثراً من الصين بما يحدث للأسواق الناشئة والاسيوية
حيث سجلت الولايات المتحدة الأمريكية العام الماضي 30% من صاداتها إلى اسيا وحوالي 45% إلى القارة الامريكية منها 20% لكندا و16% للمكسيك اللتان وقعتا على اتفاقية تجارية جديدة بدلا من اتفاقية نافتا
الارتباط بين أداء مؤشر شنجهاي وأداء القطاع الصناعي في الصين كان كبيرا جدا العام الماضي
والرسم التالي يبين التراجع الذي تعرض له مؤشر مديري المشتريات الصناعية الصيني والذي انكمش في يناير
ونعتقد أن عودة النمو الصناعي الصيني مرهون بتحسن الأسواق الاسيوية بشكل أساسي وليس بقدر ما سيجري في المفاوضات التجارية الامريكية
وفي سياق الارتباط فإن مؤشر شنجهاي أيضا مرتبط بذلك التحسن الاسيوي بالدرجة الأولى
وبالنهاية نرى أن الولايات المتحدة الأمريكية يبدو أنها ترى الصين كتنين اقتصادي يكبر بسرعة ويجب لجمه
وبذلك اشعلت الحرب التجارية نظراً لأنها مع الوقت ستتضرر أكثر فأكثر اقتصادياً بسبب المنافسة الشديدة التي تفرضها الصين
فالصين في بدايات الالفية الجديدة كان ناتجها المحلي الإجمالي عند حوالي 1.75 تريليون $ ليتسارع بشكل هائل ويبلغ العام الماضي حوالي 13 تريليون $
وبالنهاية هل ما زلت تعتقد أن الصين ستتأثر بشكل جوهري بالرسوم التجارية الأمريكية؟!
نورس حافظ
كبير استراتيجي الأسواق