172
بينما تتجه أنظار الأسواق العالمية نحو اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي هذا الأسبوع، فإن الترقب لا يقتصر فقط على قرار تثبيت أسعار الفائدة — وهو ما يتفق عليه معظم المحللين — بل يمتد أيضًا إلى ما هو أبعد من ذلك: هل لا يزال البنك المركزي ملتزمًا بتنفيذ خفضين في سعر الفائدة خلال هذا العام كما وعد سابقًا؟
في قلب هذه التوقعات يكمن ما يُعرف بـ “الرسم النقطي” (Dot Plot)، وهو رسم بياني يُصدر كل ثلاثة أشهر ويُظهر توقعات أعضاء الفيدرالي بشأن مستقبل سعر الفائدة الأساسي. ووفقًا لآخر إصدار في مارس الماضي، كان هناك توافق واضح بين صناع السياسة على خفضين هذا العام، رغم الضبابية التي تسببت بها سياسات الرئيس ترامب الاقتصادية.
مخاوف من التصعيد الجيوسياسي والتضخم
لكن منذ ذلك الحين، دخلت متغيرات جديدة على المشهد. فقد أثارت الضربات الجوية الإسرائيلية الأخيرة داخل إيران مخاوف من اندلاع حرب طويلة قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط وبالتالي تضخم جديد يعقد مهمة الفيدرالي. كما صرحت الرئيسة السابقة لبنك الاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي، إيستر جورج، بأن “الاجتماع الحالي سيدور بالكامل حول الرسم النقطي”، مؤكدة أن الأوضاع الحالية شديدة السيولة، وقد تدفع الفيدرالي إلى التريث في تعديل توقعاته.وفي الاتجاه نفسه، رأى كبير الاقتصاديين في ويلمنغتون ترست، لوك تيلي، أنه من غير المرجّح أن يشهد الرسم النقطي تغيرات كبيرة، قائلًا: “لا أعتقد أن السرد سيتغير كثيرًا. نحن على خفضين، ويبدو أن هذا الاتجاه سيستمر.”
ترامب يضغط وباول يتأنّى
في المقابل، لا يزال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يمارس ضغطًا علنيًا متزايدًا على الفيدرالي ورئيسه جيروم باول لتسريع خفض الفائدة. ففي تصريحات مثيرة، وصف ترامب باول بأنه “غبي”، ملمحًا إلى أنه “قد يضطر إلى فرض أمر ما”، رغم تأكيده أنه لن يقيله قبل انتهاء ولايته في 2026. ترامب يرى في انخفاض التضخم دافعًا لتيسير السياسة النقدية، لكن باول وزملاءه لا يزالون قلقين من تداعيات سياسات الرسوم الجمركية التي قد تؤدي إلى موجة تضخم جديدة. وفي هذا السياق، يتوقع كبير الاقتصاديين في EY-Parthenon، غريغوري داكو، أن يؤكد باول على مخاطر التضخم الهيكلي الناتج عن الرسوم، حتى لو تراجع النمو أو تباطأ سوق العمل.
هل آن أوان التخفيض؟
رغم ذلك، هناك مؤشرات على تراجع الضغوط التضخمية، حيث أظهر مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي “PCE” — المفضل لدى الفيدرالي — تباطؤًا في النمو إلى 2.5% في أبريل، بعد أن بلغ 2.7% في مارس، ما يقرب البنك المركزي من هدفه البالغ 2%. لكن في الوقت نفسه، لا يزال سوق العمل قويًا نسبيًا، مع استقرار البطالة عند 4.2% ونمو الأجور بنسبة تقارب 4%. هذا التوازن يجعل الفيدرالي في موقف لا يرى فيه مبررًا فوريًا لخفض الفائدة.
وترجّح الأسواق الآن أن يأتي أول خفض في سبتمبر على أقرب تقدير، حيث تقول الرئيسة السابقة لبنك كليفلاند، لوريتا ميستر، إن الضبابية لا تزال مرتفعة جدًا حول مدى وتأثير الرسوم الجمركية، ولهذا فإن “الاحتياطي الفيدرالي يحتاج إلى المزيد من الوقت والبيانات”.
بين التريث وفتح الباب
لكن البعض يحذّر من أن الإفراط في الحذر قد يكلف الاقتصاد كثيرًا. ويرى تيلي أن الفيدرالي يجب أن يترك الباب مفتوحًا أمام خفض في يوليو، خاصة مع تزايد الدلائل على تباطؤ النمو. وأشار إلى أن “العام الماضي، استبعدوا يوليو من الحسابات خلال اجتماع يونيو، لكنهم اضطروا لخفض الفائدة في سبتمبر بواقع 50 نقطة أساس بعدما اكتشفوا أنهم تأخروا في اتخاذ القرار.” أما في JPMorgan، فلا يتوقع كبير الاقتصاديين مايكل فيرولي أي خفض قبل ديسمبر، موضحًا أن مسؤولي الفيدرالي “موحدون في رغبتهم بالانتظار لمعرفة أثر الرسوم قبل التحرك.”
هل يستمر الاتجاه نحو الخفض؟
مع أن السياسات النقدية عادة ما تتسم بالتحفظ، فإن الاتجاه العام لا يزال مائلًا نحو الخفض، بحسب إيستر جورج، التي ترى أن الفيدرالي لا يريد أن يصدم الأسواق بإشارات معاكسة قبل الأوان. وأشارت إلى أن المحافظ كريستوفر والر وغيره ما زالوا يلمحون إلى إمكانية الخفض هذا العام. في الختام، يظل موقف الفيدرالي هذا الأسبوع لحظة حاسمة في تحديد مسار الاقتصاد الأمريكي لما تبقى من عام 2025. فهل يثبت البنك المركزي على وعوده؟ أم أن تعقيدات السياسة والجغرافيا ستجبره على مراجعة مساره؟ الأيام القادمة وحدها تحمل الإجابة.