البيانات خلال الأسبوع الحالي تُعد متوسطة الأهمية والتأثير. وعلى الرغم من أن أسماء هذه البيانات قد تعكس من الناحية النظرية مستوىً معينًا من الأهمية، إلا أن قيمتها العملية بدأت تتراجع لعدة أسباب.
أولًا، التوقعات المسبقة حول هذه البيانات تكون عادة دقيقة وتُسعّر مسبقًا من قِبل الأسواق، مما يجعل نطاق المفاجأة محدودًا جدًا، وبالتالي يقل تأثيرها الفعلي على حركة الأسواق.
ثانيًا، فإن العوامل المحركة الأخرى للأسواق، كالتطورات الجيوسياسية والحرب التجارية، وخطابات البنوك المركزية، والتغيرات المفاجئة في معنويات المستثمرين، أصبحت ذات أثرٍ أعمق وأوسع على تحركات الأسعار، متجاوزة أثر البيانات التقليدية.
وفي هذا السياق، لعل أهم البيانات خلال الأسبوع الحالي تبدو ظاهريًا أنها محضر آخر اجتماع للفيدرالي الأمريكي، والذي سيصدر يوم الأربعاء عند الساعة التاسعة مساءً بتوقيت الكويت. إلا أن الحقيقة هي أن أعضاء الفيدرالي قد تحدثوا كثيرًا خلال الأسبوعين الماضيين، وكان القاسم المشترك في تصريحاتهم هو الإبقاء على معدلات الفائدة دون تغيير إلى أجل غير مسمى، وذلك حتى تظهر إشارات جديدة من البيانات الاقتصادية.
وعليه، فلا يُتوقع أن يحمل هذا المحضر أي جديد يُذكر، ما يُضعف من أهميته وتأثيره المتوقع.
أما غدًا الثلاثاء، فستصدر بيانات طلبات السلع المعمرة الأمريكية، وتحديدًا القراءة الأساسية (Core Durable Goods Orders) على أساس شهري، والتي تُعد الجزء الأهم من هذا التقرير.
تشير التوقعات إلى انكماش طفيف بنسبة 0.1%، وهو تغير طفيف للغاية لا يحمل دلالات حاسمة. أما بالنسبة للقراءة العامة، والتي تشمل الطائرات والسلع الدفاعية، فيُتوقع أن تسجل تراجعًا حادًا بنسبة 7.6%.
لكن كما هو معروف، فإن طلبات الطائرات تتأثر بعقود ضخمة متقطعة، مما يجعل هذه القراءة العامة شديدة التقلب وضعيفة القيمة التحليلية. وبالتالي، إذا جاءت القراءة الأساسية بنمو طفيف أو تقلص محدود، فإن تأثيرها على الأسواق سيكون هامشيًا جدًا.
وفي الساعة الثامنة صباحًا من يوم الغد، نترقب أيضًا من بنك اليابان المركزي صدور قراءة أساسية للتضخم على أساس سنوي، وفق مؤشر أسعار المستهلكين (CPI Core).
يتوقع أن تسجل القراءة نموًا سنويًا بنسبة 2.3%، وهي أعلى قليلًا من القراءة السابقة البالغة 2.2%.
وفي حال جاءت القراءة مرتفعة بشكل ملحوظ—على سبيل المثال 2.5% أو 2.6%—فقد يدفع ذلك بنك اليابان للتفكير جديًا في رفع أسعار الفائدة، الأمر الذي قد يدعم الين الياباني بقوة.
لكن من المهم الإشارة إلى أن الين قد شهد بالفعل موجة ارتفاع خلال الأسابيع الماضية، حيث تراجع الدولار الأمريكي أمامه مقتربًا من مستوى مفصلي عند 139 ين لكل دولار.
هذا المستوى يُعد نقطة ارتداد تاريخية هامة، حافظ السعر على بقائه فوقها خلال الأشهر الماضية، وكل هبوط دونه قد يفتح الباب أمام انهيار سعري محتمل نحو مستويات 129 ين للدولار.
وننتقل إلى صباح يوم الأربعاء، حيث سيكون هناك تركيز على الاقتصاد الأسترالي، وذلك عبر صدور قراءة التضخم السنوية لمؤشر أسعار المستهلكين.
تشير التوقعات إلى تباطؤ طفيف في التضخم ليسجل 2.3%، نتيجة غياب الضغوط التضخمية والتأثر بانكماش الأسعار في الصين.
وفي الساعة الخامسة صباحًا، سيصدر قرار الفائدة من بنك نيوزيلندا، مع توقعات بخفضها بربع نقطة مئوية إلى 3.25%، في ظل تباطؤ اقتصادي متزايد.
أما يوم الخميس، ففي الساعة 3:30 عصرًا بتوقيت الكويت، تصدر القراءة الثانية للناتج المحلي الإجمالي الأمريكي للربع الأول، ويتوقع أن تتأكد بانكماش بنسبة 0.3%.
لكن السبب في هذا الانكماش ليس ضعفًا اقتصاديًا بل ارتفاع حاد في الواردات بنسبة 41% نتيجة لتخزين الشركات قبل تطبيق الرسوم الجمركية.
لذا فإن هذه القراءة فقدت أهميتها، ولن يكون لها تأثير جوهري على تحركات السوق.
ويوم الجمعة، تصدر بيانات التضخم الأمريكية لشهر أبريل من خلال مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE)، مع توقعات بنمو طفيف يبلغ 0.1%.
كما تشير التوقعات إلى نمو معتدل في الدخل الشخصي والإنفاق الشخصي، ما يعكس استقرارًا نسبيًا في سلوك المستهلكين.
وفي الساعة الخامسة مساءً، تصدر القراءة المعدلة لمؤشر ثقة المستهلك من جامعة ميتشيغن، والتي يُتوقع أن تكون أفضل قليلًا من القراءة السابقة لكنها لا تزال ضمن مستويات متدنية.
وأخيرًا، يوم السبت، حينما تكون الأسواق مغلقة، تعلن الصين في الساعة 4:30 صباحًا عن قراءة مؤشر مديري المشتريات (PMI) للقطاعين الصناعي وغير الصناعي.
يتوقع أن ينكمش القطاع الصناعي ولكن بوتيرة أقل، مقتربًا من المستوى المحايد 50، وهو المستوى الذي يفصل بين النمو والانكماش.
أما القطاع غير الصناعي (الخدمي)، فيتوقع أن يسجل نموًا طفيفًا جدًا عند 50.6، ما يعني بقاء الأداء الاقتصادي في الصين ضمن حالة ركود مائل إلى الاستقرار، وهو ما قد يُترجم إلى استمرارية الضعف في الطلب العالمي.
نوصي بمتابعة البيانات ضمن سياقها العام، والتركيز على السياسات النقدية، والمستويات الفنية المحورية، والمؤشرات الكبرى التي تُشكل توجهات الأسواق، أكثر من مجرد متابعة الأرقام المجدولة بشكل مباشر.