في الأوساط السياسية والاقتصادية والإعلامية الأمريكية، يكاد لا يمر يوم دون الحديث عن الدين القومي. هذا الحديث المتزايد يثير تساؤلًا جوهريًا: لماذا أصبحت أزمة الدين الآن أكثر إلحاحًا، رغم أن الولايات المتحدة تعاني من الديون منذ عقود؟
الرئيس السابق دونالد ترامب، على سبيل المثال، رغم وعوده المتكررة بعدم زيادة الدين، تبنّى خطة إصلاح ضريبي كبيرة إلى جانب برامج أمن حدودي مكلفة. ووفقًا لتقديرات مكتب الميزانية بالكونغرس، فإن هذه السياسات قد تضيف حوالي 2.8 تريليون دولار إلى الدين خلال العقد القادم.
اليوم، تجاوزت الولايات المتحدة نسبة 100%، أي أن حجم الدين يعادل ما تنتجه البلاد خلال عام كامل. هذه النسبة كانت آخر مرة بهذا المستوى بعد الحرب العالمية الثانية – لكن الفارق هو أنه لم تكن هناك حرب عالمية ثانية في 2025، بل مجرد إنفاق متراكم لم تُعالج عواقبه.
لا يوجد رقم سحري تنهار بعده الأمور فورًا، لكن خبراء الاقتصاد يضعون نقطة التحول الحرجة عند نسبة 175%. عند هذا المستوى، يصبح سداد الفوائد على الدين مكلفًا لدرجة أنه لا يمكن للحكومة تعويضه من خلال الضرائب أو تقليص الإنفاق دون ألم شديد. هذا ما حدث لليونان في أزمة ديونها في العقد الماضي، حين انهارت الخدمات العامة وتفشى الفقر والبطالة.
تقديرات لجنة الميزانية الفيدرالية تُشير إلى أنه إذا تم تنفيذ كل وعود ترامب، فإن النسبة قد تصل إلى 143% في 10 سنوات، وربما 161% في أسوأ السيناريوهات. أما تقديرات مكتب الميزانية بالكونغرس فتذهب أبعد من ذلك، متوقعة وصول النسبة إلى 200% في عام 2047، بل حتى 250% بحلول 2055، في حال جعل التخفيضات الضريبية دائمة.
- زيادة أسعار الفائدة على القروض العقارية.
- ارتفاع تكلفة قروض السيارات والبطاقات الائتمانية.
- تعقيد تمويل المشاريع الصغيرة.
تآكل الهامش المالي في أوقات الأزمات
عندما تشغل الفوائد جزءًا كبيرًا من الميزانية (حاليًا 14% – أكثر مما يُنفق على الدفاع الوطني)، تصبح قدرة الحكومة على التصرف في الأزمات محدودة. ففي حال اندلاع حرب أو جائحة جديدة أو انهيار اقتصادي، فإن الحكومة ستكون قد استهلكت قدرتها المالية على التدخل القوي، لأن جزءًا كبيرًا من “الحيّز المالي” قد ذهب بالفعل لسداد الفوائد.
هل من أمل؟
يُجادل بعض الجمهوريين بأن السياسات الاقتصادية المقترحة، مثل خفض الضرائب وزيادة إنتاج الطاقة، قد تُعزز النمو الاقتصادي بنسبة 3% سنويًا، مما يوسّع القاعدة الضريبية ويعوّض الإنفاق الجديد. لكن أغلب المحللين يشككون في واقعية هذا السيناريو، نظرًا لأن النمو بمعدل 3% بشكل دائم لم يحدث في أمريكا منذ القرن العشرين.
الخلاصة: الأزمة قادمة… ولكن ليس بعد
الولايات المتحدة، حتى الآن، لا تزال تملك الوقت لتغيير المسار. لكن كما قال أحد الاقتصاديين: “أزمات الديون تبدأ ببطء… ثم تحدث فجأة.” وحينها، كل الحلول ستكون مؤلمة، سواءً عبر رفع الضرائب، أو خفض الإنفاق، أو خليط منهما، وربما بعد فوات الأوان.