في الأونة الأخيرة هبطت أسعار الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري بشكل ملحوظ، ويتسائل كثيرون هل هناك مزيدًا من الانخفاض في الأيام المقبلة؟ والأهم، هل هناك انعكاسًا لهبوط الدولار على أسعار السلع والخدمات في الأيام المقبلة؟
لماذا يهبط الدولار أمام الجنيه المصري؟
العرض والطلب هم المتحكمين حالياً في أسعار العملة المصرية بعد تعويمها في 2016، ولذلك ستكون لتحركات الدولار الأمريكي أثر كبير على الجنيه المصري هبوطاً وصعودًا في السنوات المقبلة. ولكن بشكل عام لم يرتفع الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي، وإنما انخفض الدولار الأمريكي قليلاً أمام أكثر من عملة في الفترات الماضية، وكان الهبوط وقتي على الأقل حتى الآن، فلا يوجد ما يشير إلى هبوط الدولار الأمريكي بشكل قوي على المدى القصير، وإن كان هناك بعض الدلالات على هبوطه على المدى المتوسط والبعيد أمام العملات الرئيسية.
أسباب ارتفاع الجنيه المصري أمام الدولار
هناك أسباب اقتصادية كثيرة وراء ارتداد الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري، كان أهمها دخول استثمارات أجنبية إلى السوق المصري في صورة السندات الحكومية، إلى جانب الزيادة الملحوظة في تحويلات العاملين بالخارج. وقد صاحب هذا أيضاً زيادة في التدفق الدولاري إلى مصر مع ازدياد أعداد السائحين القادمون إلى البلاد. كان من أهم الأسباب كذلك قرارات البنك المركزي بإلغاء آلية التحويل الخاصة بالاستثمارات الأجنبية، وأدى هذا بالطبع إلى وفرة في المعروض الدولاري داخل البنوك المصرية.
هل ينعكس هبوط الدولار على السلع والخدمات؟
الحديث عن انخفاض الأسعار في الوقت الحالي يتطلب التفكير في كثير من الأمور، سنحاول تبسيطها قدر الإمكان في نقاط:
1- ارتفاع الأسعار جاء بعد قرار التعويم مباشرة لأن معظم المستثمرين والتجار وأصحاب الأعمال يعرفون جيداً أنه يصاحب مثل تلك السياسات ارتفاع كبير في مستوى التضخم، وهو ما دفعهم إلى أخذ إجراءات فورية لحماية استثماراتهم وأموالهم.
2- ثقافة الشعوب تتحكم بشكل قوي في التأثير المباشر بين ارتفاع أو هبوط العملة وبين أسعار السلع والخدمات، بمعنى أبسط أن التاجر المصري من الممكن أن يستجيب فوراً إلى عملية زيادة الأسعار، ولكنه لن يستجيب بنفس السرعة إلى عملية تخفيض الأسعار. وهذا طبيعي وناتج عن أمور كثيرة، منها أنها تقريباً المرة الأولى التي يهبط فيها الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري منذ أن حدث التعويم. ثانياً أن سوق السلع والخدمات لا يستجيب بهذه السرعة إلى هبوط وصعود العملة، فهناك فارق كبير بين هبوط أو صعود العملة بناءاً على تحولات اقتصادية واتجاهات نقدية معينة تؤدي إلى انخفاض الأسعار، وبين الهبوط أو الصعود الوقتي للعملة أمام باقي العملات.
بناءاً على النقطة الأخيرة فلن يكون هناك أي انخفاض في المستوى العام للأسعار، إلا على المدى البعيد في حالة اتباع البنك المركزي المصري سياسة نقدية تهدف إلى انخفاض الأسعار. أما غير ذلك فلن يكون هناك أثر كبير على معدلات الأسعار فقط لهبوط الدولار قليلاً أمام الجنيه المصري. ربما تكون هناك بعض الانخفاضات التنافسية في السلع المستوردة، وذلك سيكون فقط في حالة استيراد بعض السلع بسعر جيد. ولكن طبقاً لتاريخ الثقافة المصرية فاحتمالات بيع هذه السلع بالأسعار الجديدة سيكون مرهون بضمير التاجر ومراقبة الحكومة المصرية لانضباط الأسواق والأسعار.
فيما عدا ذلك لن يكون هناك أي تأثير تحسباً من ارتفاع الدولار مرة أخرى أمام الجنيه المصري في أي وقت، فالتاجر يعرف أن هبوط العملة بهذا الشكل وعلى المدى القصير لن يفيد في شيء ما لم يكن هذا الهبوط مبني على ارتفاع حقيقي للجنيه المصري أمام العملات بشكل عام، وهو ما يعني أن الجنيه المصري قد أصبح أقوى، وهذا لم يحدث حتى الآن.
بعض السلع المربوطة بأسعار الدولار الأمريكي في السوق المفتوح قد تشهد بعض الانخفاضات الوقتية أيضاً، كالذهب مثلاً. وهناك أيضاً سلع قد يزداد سعرها مع انخفاض الدولار الأمريكي، وهي السلع المحلية، وذلك لأن انخفاض الدولار الأمريكي أمام الجنيه يعني ارتفاع قيمة الأخير، وهو ما يعني أن القيمة الشرائية قد ازدادت، ولكن هذا يحدث على المدى البعيد فقط.
خلاصة القول أن ارتفاع قيمة العملة ينعكس على الأسعار فقط على المدى البعيد، خاصة إذا كانت من المفترض أن تهبط الأسعار كنتيجة لارتفاع قيمة العملة المحلية. هذا التأثير في الغالب يكون بعد عام أو اثنين من استمرار العملة المحلية عند مستويات جديدة بعد الارتفاع.