هل تتغير موازين القوى في العالم نتيجة للوضع الاقتصادي الحالي؟

هل تتغير موازين القوى في العالم نتيجة للوضع الاقتصادي الحالي؟

في الوقت الحالي يشهد العالم نوع من الصراع الاقتصادي والسياسي، وقد أخبرنا التاريخ أن هذه الانواع من النزاعات تؤدي بنا الى حافة الهاوية، فلم يكن هناك حرب الا وكان ورائها نوع من المصالح الاقتصادية التي تسعى الدول اما للحفاظ عليها أو اكتسابها للحفاظ على شعبها من الضياع، والحرب ليست فقط عسكرية كما نعلم وانما لها اشكال كثيرة، وما يحدث الان في العالم يعد أحد انواع الحروب الشرسة التي تدار من خلف الكواليس، الا وهي الحرب الاقتصادية، فترى الان الدولار الامريكية يكتسب قوة غاشمة أمام كل عملات العالم للدرجة التي دفعت اليورو – عملة الاتحاد الاوروبي – يهبط الى ما يساوي الدولار الامريكي، ما بالك بباقي عملات العالم.

في هذا المقال سنتحدث عن النتائج المحتملة لهذا الصراع الضاري والذي يحدث في العالم الان نتيجة الى ما حدث في 2018 من هبوط الاسواق ونتيجة أيضاً لما حدث نتيجة لانتشار فيروس كورونا وأهمها التضخم الكبيرة الذي حدث لكل عملات العالم بسبب عمليات طبع النقود الذي حدثت خلال 2020 وأخيراً النزاع الروسي الاوكراني وتأثيره على أسعار النفط والغاز الطبيعي والذي زاد بدوره من ارتفاع مستويات التضخم في العالم.

لماذا يقلق العالم من مستويات التضخم في الولايات المتحدة الامريكية؟

القلق يأتي من أن الولايات المتحدة الامريكية هي مرأة الاقتصاد العالمي، فعندما يدخل الاقتصاد الامريكي في مرحلة ركود أو كساد فهذا يعني أن العالم سيشهد نوع من الكساد أقوى من الذي يحدث في الولايات المتحدة الامريكية ذاتها ذلك لان أمريكا هي قلب الاقتصاد العالمي بسبب كمية الثروات التي تدار في أسواقها، وعندما يستمر الفيدرالي في رفع معدلات الفائدة البنكية فهذا يعني ارتفاع الدولار الامريكي أمام باقي عملات العالم، الأمر الذي يدفع جميع عملات العالم الى الهبوط امام الدولار، وبذلك تكون الدول مطالبة برفع معدلات الفائدة البنكية هي الاخرى حتى تحافظ على مستويات سعر الصرف على عملاتها المحلية، ولكن رفع معدلات الفائدة يعني تباطؤ الاقتصاد وهذا ما يمنع كثير من الدول من رفع معدلات الفائدة حتى لا تتأثر معدلات النمو الاقتصادية ومن ثم دخول الاقتصاد في حالة من الركود قد يتبعها كساد مدمر للأقتصاد ككل.

لذا يحاول الان المستثمرين النجاة من هذه العاصفة عن طريق بيع الاصول التي يملكونها والتي تضخمت أسعارها لمستويات جنونية خلال العقد الماضي خوفا من هبوط هذه الاصول المالية بقوة في حالة حدوث ركود في الاسواق، الأمر الذي يعني أن الطلب على الدولار الامريكي سيظل مرتفع جداً بسبب بيع الاصول والحصول على اموال سائلة تمكنهم من التحرك خلال الفترات القادمة والتنقل ما بين الاصول المالية الخطرة كالأسهم وبين الملذات الأمنة كالذهب مثلاً.

نظرة على التاريخ الذي يعيد نفسه بأستمرار. 

 

على مدار التاريخ البشري كانت الدول تتنازع وتتصارع على السيطرة، وذلك ما أدى الى صعود الولايات المتحدة الامريكية على قمة العرش في عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كانت الولايات المتحدة الامريكية أنذاك تملك 80% من ثروات العالم والتي كانت تقاس بالذهب أنذاك، ومن ثم صعد الدولار الامريكي الى القمة أيضاً وأصبح العملة الاحتياطية للدول وهنا أصبحت الولايات المتحدة الامريكية القوى الاقتصادية الاكبر في العالم، وبعدها أصبحت القوى العسكرية الوحيدة المكتملة في العالم بعد انهيار معظم الجيوش في الحرب العالمية الثانية وانهيار النظم الاقتصادية بالتابعية، ومن هنا بدأت الولايات المتحدة الامريكية في وضع النظام العالمي سواء كان نظام اقتصادي أو قضائي أو عسكري، بأختصار أصبحت هي المتحكمة فيما يجري في العالم ككل.

ولكن لأن الشيء الوحيد الثابت في الحياة هو التغيير فبدأ العالم في الوقت الحالي يشهد نوع من التغيرات المقلقة فيما يخص سيطرة الولايات المتحدة الامريكية على العالم بشكل منفرد، أو على الاقل أصبحت المهمة أصعب الان مما سبق، وأكثر ما يميز الفترة الحالية من التاريخ هو التغير الكبير في عملية خلق الديون وتغزية الاسواق بالاموال الوهمية والتي تسمى Credit، هذه الحرب هي التي ستقلب موازين القويى في العالم الحديث، فعملية خلق الديون وطبع الاموال تضع البنوك المركزية في موضع الاختيار بين تسديد هذه الديون بالاموال الاجنبية وبالتالي تضع اقتصاداتها في موضع صعب جداً أو طبع النقود والذي يؤدي الى التضخم القاتل كما يحدث الان في كثير من الدول حول العالم.

عندما تطبع الدول النقود لدفع الديون فهذا يعني مضاعفة تلك الديون بسبب انخفاض قيمة العملة المحلية، ولذلك لا يكون أمام البنوك المركزية اختيارات كثيرة وفي معظم الاحيان تكون الدولة مكتوفة الايدي أمام هذا النوع من الازمات وهو ما يؤدي بالدولة الى مرحلة التخلف عن الديون وهو السبب الاهم والاكثر وضوحاً في الازمات الاقتصادية الناتجة عن الديون في التاريخ الحديث، هناك خمس أنواع للحروب يمكن أن تحدث بين القوى الاقتصادية الان الحرب الاولى هي حرب التجارة العالمية، والثاني هي حرب التكنولوجيا والسيطرة على الابتكار، الثالثة هي حرب السيطرة الاقليمية والتي تحدث بين روسيا واوكرانيا، ومن ثم تبدأ في الحرب الاقتصادية والتي ظهرت الان فيما يخص العقوبات الدولية على بعض الدول ومنعها من التعامل أقتصاديا بحرية وأخيرا تأتي الحرب العسكرية.

هناك نوعان من التضخم يجب أن تعرفهم جيداً.

النوع الاول هو التضخم الطبيعي والذي ينتج عن انخفاض العرض وازدياد الطلب على المنتجات، وينتج هذا عندما لا تستطيع الشركات انتاج ما يكفي من السلع والخدمات لملاقاة الطلب، وهناك نوع أخر من التضخم وهو التضخم الناتج عن السياسة النقدية، والذي يحدث عندما تقوم الدول بطبع كميات كبيرة من النقود وزيادة استخدام الديون، فعندما تزداد النقود عن حجم الطلب على السلع والخدمات فهنا ينتج لنا تضخم مدمر جداً بسبب اتباع سياسة طبع الاموال دون قيود، عندما تنظر لهذا النوع من التضخم ستعرف أن السيطرة عليه تأتي عن طريق اما خفض قيمة العملة أو رفع معدلات الفائدة لمستويات تحقق التوازن بين العرض والطلب مرة اخرى، ولكن هذه المغامرة تكون كارثية عندما لا تكون محسوبة بدقة، فرفع معدل الفائدة يؤدي الى الكساد كما حدث في جمهورية فيمار في المانيا في السبعينيات، أسوأ ما يمكن أن يحدث لاقتصاد دولة ما هو أن يكون الاقتصاد ضعيف ومتراجع وفي ذات الوقت هناك ديون كثيرة يجب دفعها، فهنا يحدث الكساد التضخمي الذي يتحدث عنه العالم في الوقت الحالي.

 

عندما تهبط جميع العملات في العالم يجب أن ترتفع قيمة شيء ما في المقابل.

في عام 1930 عندما هبطت جميع عملات العالم بسبب الكساد العظيم ارتفع بقوة الذهب لانه كان هو النقود الحقيقية أنذاك، ولكننا في العصر الحديث غير متأكدين من أن الذهب مازال هو النقود الحقيقية أم لا، فهناك الان اصول مالية كثيرة ظهرت على الساحة الاقتصادية ومن الممكن أن يكون الملاذ الأمن في الأزمة الحالية هو الذهب أو العقار أو الدولار أو العملات الرقمية لا نعرف ولكننا سنعرف قريباً والى أن يحدث هذا فالذهب والفضة سيظلان الملاذات الأمنة الى أن يحدث العكس.

 

الحروب الاهلية ونزوح الشعوب من منطقة الى أخرى.

عندما يكون هناك أزمات اقتصادية وتتدهور الاحوال معيشية فهنا تظهر الحروب الاهلية والنزوح من منطقة الى اخرى داخل حدود الدولة تتميز ببعض من الرخاء الاقتصادي، وهذه التبعات الكارثية دائما ً ما تحدث في وقت الازمات الاقتصادية وقد حدثت من قبل كثيراً وستحدث طالما أن هنا فئة معينة تملك رؤوس الاموال وهناك فجوة كبيرة بين طبقات المجتمع والذي يحدث نتيجة النظام الرأسمالي أو نظام السوق الذي يقوم عليه الاقتصاد الحديث.

النزاعات الاجتماعية تحدث نتيجة هبوط مستويات المعيشة وارتفاع مستويات التضخم وهذا يزيد من الضغط على الدول بشكل كبير بسبب الحاجة الى ضبط الأمن وضبط احوال المجتمع الاقتصادية والمعيشية وبالتالي يتغذى التضخم على ذاته كالسرطان، فعندما تحاول السيطرة عليه يزداد صعوبة بسبب أن ادوات السيطرة عليه تكون محدودة بشكل كبير وفي غالب الامر تكون مستحيلة خاصة اذا كانت هناك ديون بعملات أجنبية على الدولة، فهنا لن تستطيع طبع المزيد من النفود لان ذلك يزيد من حجم الدين الخارجي، وفي نفس الوقت لن تستطيع السداد لان الاقتصاد في حالة ركود، وبالتالي تحدث الازمات الاقتصادية والتي تؤدي اما الى انهيار النظام المالي للدولة أو للعالم ككل كما حدث في أزمات اقتصادية كثيرة خلال المئة العام الماضية.