قرر البنك المركزي المصري تثبيت سعر الفائدة البنكية في اجتماع أمس، لتبقى الفائدة كما هي عند مستويات ال 11.25 نقطة في قرار حكيم جداً من البنك المركزي المصري وسنشرح بالتفصيل في هذا لمقال لماذا يعد هذا القرار جيد جداً في الوقت الحالي بالنسبة للمركزي المصري والاقتصاد بشكل عام.
لماذا يتم رفع او خفض معدلات الفائدة البنكية ؟
الفائدة البنكية تعد أداة من أدوات البنك المركزي في كل الدول، وهي الأداة الأهم بالنسبة للبنك المركزي للقيام بدوره في ضبط السياسة النقدية، والفائدة البنكية تعني التحكم في كمية الأموال المعروضة داخل الاقتصاد، ما يعني أن رفعها يؤدي الى سحب السيولة من الأسواق، وخفضها يعني ضخ مزيد من السيولة في السوق، وبذلك تؤثر الفائدة تأثير مباشر في كلاً من العملة المحلية ومعدلات النمو.
التأثير على العملة المحلية:
تخضع العملة لعملية العرض والطلب، ففي حالة سحب السيولة من السوق فهذا يعني أن المعروض من الجنية المصري مثلاً أصبح أقل وبالتالي ترتفع قيمته بناءاً على قانون العرض والطلب، والعكس في حالة خفض معدل الفائدة فيصبح الحصول على الأموال أسهل وهذا يعني خروج كميات كبيرة من النقود من البنك المركزي الى السوق، وهو ما يعني أن المعروض من العملة أصبح مرتفع بالتالي تنخفض قيمتها في صورة زيادة في معدل التضخم.
التأثير على معدلات النمو:
معدل النمو هو مصطلح يشير الى قوة الاقتصاد، فكلما ازدادت معدلات النمو كلما كان الاقتصاد في رخاء، ليكون الاقتصاد في رخاء يجب أن يكون هناك عمليات إنتاج قوية وطلب على هذه السلع المنتجة لتدور الأموال داخل الاقتصاد في صورة إستهلاك بشكل أسرع، وهو ما يتطلب خفض معدل الفائدة البنكية، اما في حالة تشديد السياسة النقدية ورفع معدل الفائدة فيؤدي ذلك الى هبوط معدلات النمو بسبب إنخفاض الطلب على المنتجات وبالتالي تتأثر الشركات المكونة للأقتصاد، وبهذا فإن أداة الفائدة البنكية سلاح ذو حدين، يجب التعامل معها بميزان من العقل حتى يتوائم الوضع ما بين معدل النمو والتضخم، فرفع الفائدة يحافظ على العملة ولكنه يضر بالاقتصاد، اما خفضها فيضر العملة ولكن يحسن الاقتصاد، ولذلك فكل دولة تحدد مستوى الفائدة بناءاً على قوة العملة والاقتصاد معاً، دعني أضرب لك مثال للتبسيط.
لنفترض انك تريد أن تشتري سيارة جديدة، فستذهب الى البنك ليشتري لك السيارة ومن ثم ستدفع ثمنها خلال 5 سنوات، اذا كانت معدل الفائدة البنكية 20% مثلا فهذا يعني انك ستدفع خلال ال 5 سنوات ضعف ثمن السيارة، اما اذا كانت 5% فقط فستدفع 25% من ثمن السيارة كفائدة، في الحالة الاولى ستكون ثمن السيارة مليون بدلاً من 500 ألف فقط، أما في الحالة الثانية سيكون ثمن السيارة 625 ألف. في حالة قررت أن تحجم عن شراء السيارة بسبب ارتفاع سعرها فهذا يعني أن الشركة التي تبيع السيارة قد تضررت لانها تريد أن تربح من بيع السيارة لك، ولذلك اذا حدث هذا الأمر مع كل المنتجات فتصبح الشركات غير قادرة على تحقيق المبيعات المتوقعة وتبدأ مرحلة الركود في الاقتصاد.
هل هي عصاه سحرية ؟
أداة التحكم في الفائدة البنكية ليست عصاه سحرية، وفي الغالب تفقد وظيفتها وتأثيرها اذا لم يكن الاقتصاد قوي ومنضبط بشكل يسمح لها بتحقيق ذلك التوازن، يمكنك أن تفكر في أداة التحكم في معدل الفائدة على انها وقود السيارة، فبدون سيارة لا يوجد استخدام للوقود ! اذا في حالة وجود أزمات في الاقتصاد يحاول البنك المركزي السيطرة على الوضع عن طريق التحكم في معدل الفائدة ولكن سرعان ما تفقد الفائدة شخصيتها وتأثيرها اذا لم يتم حل المشاكل الاقتصادية المسببة للخلل.
لماذا كان قرار البنك المركزي المصري جيد؟
ذلك لأن رفع معدل الفائدة البنكية لن يجدي نفعاً مع العملة المصرية، فالخلل قادم ليس من انخفاض معدل الفائدة ولكن من عدم توافر العملة الاجنبية، وبالتالي رفع معدل الفائدة في الوقت الحالي لن يتسبب الا في مزيد من الضرر للأقتصاد المصري في صورة ضغوط ركودية، وبالتالي كان القرار هو الأصوب في الوقت الحالي، فرفع معدل الفائدة الأن سيسحب مزيد من السيولة من الاسواق والتي قد تؤدي الى افلاس الشركات ودخول السوق في حالة من الكساد.
بالطبع ذلك سيؤثر على العملة المصرية، ولكن تزامن مع تثبيت الفائدة قرارات خاصة بالسيولة النقدية للمحافظة على العملة وأهم هذه القرارات كانت رفع مستوى الاحتياطيات في البنوك الى 18%، مع الاجراءات الاخرى التي ينفذها البنك المركزي من خفض معدلات الاستيراد للحفاظ على الميزات التجاري، وتقليل انفاق العملة الاجنبية التي تشهد نقص كبير في السوق المصري الان مع حاجة الدولة القوية للنقد الاجنبي.