في عصور التكنولوجيا من الممكن أن تحدث أشياء قد تبدو صعبة الفهم على الأجيال التي لا تستخدم التكنولوجيا، فتجد أحد أكبر مستثمري العالم لا يعجب دائمًا بالاستثمار في أسهم التكنولوجيا مثل وارين بافت. والسبب لا يرجع إلى انعدام القيمة للتداول بتلك الأسهم ولكنه يرجع إلى عدم اقتناعه الشخصي بها، أو ربما عدم فهم طبيعة الشركات أو ما تقدمه من منتجات من الأساس، وهو ما يسمى في التحليل المالي للشركات ( Business model )
في الآونة الأخيرة ظهرت العملات الرقمية فزادت الأمر سوءًا، فطبيعي أن معظم المستثمرين لا يعترفون بالاستثمار فيها، والطبيعي أيضًا إن لم تكن من مستخدمي التكنولوجيا ألا تعرف ما هي العملات الرقمية من الأساس، فهي شيء يبدو معقدًا خاصة لمن لا يعرفون كيف يعمل الكمبيوتر. ولكنها كانت فرصة جيدة جدًا للذين يعرفون تلك المعلومات، فتجدها الآن تساوي عشرون ألف دولارًا لكل وحدة واحدة من البيتكوين.
– دعنا نشرح الموضوع بمثال بسيط. عندما يرتبط الطفل بالكمبيوتر فرقم واحد ينجذب إليه عن طريق الألعاب ( Games )، وهذه الألعاب التي كانت فردية في الماضي أصبحت الآن شبكية مع التطور الكبير في شبكات الإنترنت. فمثلاً إن كنت تلعب لعبة من ألعاب الحروب أو المغامرة، فمن الممكن أن تجلس داخل غرفتك وتلعب ضد شخص آخر من دولة أخرى.
في الآونة الأخيرة كذلك ظهرت ألعاب كثيرة من هذا النوع، على سبيل المثال لعبة تسمى Counter strike ، وهذه اللعبة جدواها هنا في المقال بأنها ستبسط فهم عملية العملات الرقمية. فتلك اللعبة يتم فيها تكوين جيوش وشراء أسلحة ومحاربة أشخاص آخرين، كل منهم لاعب آخر أنت لا تعرف عنه شيئًا، ولكنها لعبة شبكية يتلاقى بها آلاف من اللاعبين كل يوم ومن جميع أنحاء العالم. في هذه اللعبة لتشتري أسلحة يجب أن يكون لديك أموال داخل اللعبة، فكلما ربحت أو انتصرت في اللعبة على شخص آخر يتم إضافة رصيد في حسابك داخل اللعبة، وهو ما يمكنك من شراء أسلحة أكثر تطورًا، ولكن ماذا إذا كان هناك إمكانية تحويل تلك الأموال من شخص إلى آخر؟ فتجد نفسك عندما تحتاج إلى سلاح داخل اللعبة تطلب من صديق لك أن يحول لك كمية أموال لتشتري السلاح، هذا الصديق من الممكن أن يكون داخل اللعبة أو صديق لك بالفعل يلعب نفس اللعبة. تخيل أن هذا الصديق عندما تطلب منه أموالاً داخل اللعبة يخبرك بأنك إذا كنت تريد ألف عملة داخل اللعبة فاعطني 100 جنيه مصريًا.
وهذا ما كان يحدث في الآونة الأخيرة داخل دائرة الألعاب الشبكية، وكان يتم شراء العملات ( داخل اللعبة ) بأموال حقيقية من الأطفال والشباب المتيمون بالألعاب الشبكية. ولكن الأمر أصبح خطيرًا حين تعدت هذه العمليات حدود الألعاب وأصبحت تستخدم على نطاق أوسع.
البيتكوين أو العملات الرقمية هي ذاتها تلك الأموال التي بداخل اللعبة البسيطة التي يلعبها الأطفال، فالأموال داخل اللعبة لا يمكن لمسها من الأساس، ولا تعرف لها أسم من الأساس، ومن الممكن أن تسمى Coin . ولكن من الممكن أن يقوم الطفل بدفع مبلغ من المال لأحد الأصدقاء لتسليفه داخل اللعبة مبلغ يمكنه من شراء أسلحة لتطوير مركزه باللعبة.
هنا ظهرت البيتكوين بنفس الآلية، وهي تمامًا مثل الأموال التي تحدثنا عنها، فهي غير ملموسة ولكنها موجودة فقط على شبكة الإنترنت، ويتم تحويلها بمنتهى السهولة. وأصبحت المضاربة عليها بغرض تحقيق الأرباح شيء مغري لكثير من الناس، وهو ما جعل الطلب يزيد عليها إلى أن وصلت لسعرها الحالي.
عملة على الإنترنت وغير مطبوعة وتهز العالم ..
عملة البيتكوين أو العملات الرقمية تكمن خطورتها فقط في عدم وجود دولة تتحكم وتسيطر على سعرها عند حدوث كارثة، ولكنها موجودة ويتحدد سعرها فقط بناءً على العرض والطلب، وهو ما ينتج عنه التحركات العنيفة التي تحدث عليها كل يوم. فتجد العملة تخسر في اليوم الواحد أكثر من 20% من قيمتها أمام الدولار الأمريكي مثلاً، وهو أمر لو حدث على الدولار الأمريكي ذاته لحدثت كارثة اقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية.
نظرة على التحليل الفني وتحركات عملة البيتكوين ..
كما ترون الرسم البياني للعملة أمام الدولار الأمريكي فهو يصعد بقوة نتيجة لضغط الشراء ( الطلب ) الكبير على العملة، والتي صعدت منذ إنشائها عام 2009 أكثر من 19 ألف ضعف قيمتها، ولكن على المستوى الفني انظر إلى التصحيح الموجود داخل المربع الأصفر فستجد العملة هبطت فجأة ما يقارب من 20% من قيمتها، وهو ما تكرر داخل المربع الأخضر. وهي حركات كما ترونها تبدو بسيطة ولكن المستثمرون يأخذونها في الحسبان، فهذا يعني أن العملة من المحتمل أن تكون فقاعة كما يتوقع كثيرًا من الخبراء، وهو ما يعني أنها من الممكن أن تنهار في أي وقت، وهي مخاطرة من الممكن ألا يتحملها أي مستثمر.
حتى بالحركة الأخيرة والتي تظهر داخل المربع الأحمر، فقد هبط السعر من مستويات العشرين ألف تقريبًا إلى 15.800، أي ما يزيد عن الـ 20% تقريبًا. وهنا مكمن الخطورة في التداول على العملات الرقمية، فلا وجود لقواعد وقوانين تنظم التحركات ولا توجد بنوك مركزية تدعم العملة أو تحافظ على استقرارها، فكل شيء متروك للعرض والطلب. ولكن في التداول كلما زادت الخطورة زادت العوائد، فتجد أنك لو كنت استثمرت على البيتكوين منذ ثلاث أو أربع سنوات مبلغ من المال، لكان الآن يساوي قطعًا ملايين الدولارات. أما بالنسبة لاتجاه العملة، فهي صاعدة طبقًا لعلم التحليل الفني. هل من الممكن أن تكون العملة فقاعة؟ نعم من الممكن بالطبع، ولكن متى ستنهار العملة؟ ومن أي مستوى سعري؟ هذا ما لم يستطيع أحد أن يتوقعه حتى الآن على الأقل، ولكن الأيام المقبلة ستبين كل شيء.
– تحديث هام ..
هذا التحديث يأتي بعد كتابة المقال وقبل النشر ، حيث شهدت أسعار البيتكوين أمام الدولار الأمريكي حدث هو الأول من نوعه، حيث هبطت أسعار العملة الرقمية ما يقارب 50% من قيمتها أمام الدولار في خمسة أيام فقط ، وهو ما قد قرأته في المقال عن خطورة التداول عليها والتي تكمن في التحركات العنيفة للسعر. على الرغم من ذلك، فلم تشهد الأسعار إلى الآن الهبوط الذي يؤكد أنها كانت فقاعة وانتهت فترة التفائل، ولكن ما نشهده الآن هو حدث مهم للغاية. ومن المحتمل أن تشهد العملة مزيد من الهبوط في الفترات القادمة أو على الأقل لن يكون الصعود بنفس القوة التي هبطت بها خلال الخمسة أيام الأخيرة. في انتظار مزيد من المعلومات لموافتكم بها وفق متابعة تلك الأحداث المثيرة للجدل على العملات الرقمية .
الرسم البياني الذي يوضح سعر العملة بعد الانهيار الكبير بها اليوم ..