لماذا لم تتأثر الأسواق المالية بحرائق لوس أنجلوس كما كان متوقع؟

في السنوات الأخيرة، شهدت مناطق مثل لوس أنجلوس وكاليفورنيا وبالاسيدس حرائق هائلة تسببت في دمار واسع النطاق، مما أثار العديد من التساؤلات حول تأثير هذه الكوارث الطبيعية على أسواق الأسهم الأمريكية، وعلى وجه الخصوص على شركات التأمين الكبرى. على الرغم من الدمار الكبير الذي خلفته هذه الحرائق، إلا أن السوق لم يتأثر بشكل كبير، وكذلك الحال بالنسبة لمعظم شركات التأمين الكبرى التي تعمل في هذه المناطق. حيث اننا الى الأن نرى أن تحركات مؤشرات الأسهم الأمريكية الكُبرى مثل داو جونز وستاندرد أند بورز يسيرون بشكل طبيعي، فقد ارتفع مؤشر الداو بما يقارب 4% في يوم كتابة هذا المقال، وبالتالي كان التساؤل لماذا لم تتأثر الأسواق بهذه الأخبار السلبية، وقد وجدنا أن السبب الرئيسي ربما هو عدم تأثر هذه الشركات بالفعل كما نعتقد، أو أن السبب يكمن وراء عدم معرفة النتيجة الأكيدة لمثل هذه الحرائق على الأسواق والانشطة التُجارية وعالم البزنس، فهل سيكون هناك تأثير أم لا هذا ما سوف نعرفه الأيام القادمة.
لماذا لم تتأثر سوق الأسهم الأمريكية؟
السوق الأمريكي، بما في ذلك شركات الأسهم الكبرى، لم يتأثر بشكل ملحوظ بالحرائق بسبب عدة عوامل. أولاً، تتسم الأسواق الأمريكية بمرونة عالية، حيث إن الأحداث الطبيعية مثل الحرائق والزلازل قد تكون جزءًا من التحديات التي تواجهها الشركات، ولكنها لا تؤثر عادةً بشكل كبير على أداء السوق ككل. السوق الأمريكي يتعامل مع مثل هذه الأحداث على أساس أنها أحداث طارئة تقتصر آثارها على بعض القطاعات، مثل شركات التأمين والعقارات، ولكنها لا تؤثر على الاقتصاد بشكل عام.
ثانيًا، تعتبر شركات التأمين الكبرى مثل State Farm وAllstate وغيرها قد اتخذت تدابير احترازية، بما في ذلك تعديل سياساتها بشكل كبير في هذه المناطق المتضررة من الحرائق. هذه الشركات لم تساهم في التأثير المباشر على السوق بشكل كبير لأنها كانت قد اتخذت خطوات لتقليل مخاطرها وتحسين استراتيجياتها المالية. فمثلاُ أعلنت شركة  State farm العام الماضي أنها قد خفضت وألغت ما يقارب من 70% من بوليصات التأمين على المنازل في منطقة بالاسيدس نظراً الى تقييم هذه المنطقة بأنها مناطق حرائق وبالتالي مصدر مخاطرة لا يُحتمل بالنسبة للشركة، وكان هذا ليس فقط بسبب الطبيعة الجغرافية لهذه المنطقة وانما بسبب اهمال الإدارة المحلية لها ، وبالتالي نحن أمام وضع كانت للشركات فيه الأسبقية في حماية نفسها من مثل هذا السيناريو المتوقع. وأدى ذلك الى تماسك هذه الشركات الى الأن، وانما وضع المخاطرة بأكملها على الحكومة الأمريكية التي ستكون مُطالبة بتعويض السكان الذي تتضرروا من الحرائق وفقدوا منازلهم.
شركات التأمين الكبرى وتعديل سياسات التأمين في مناطق الحرائق
في السنوات الأخيرة، كان هناك توجه من شركات التأمين الكبرى لتقليص أو حتى إيقاف تجديد بوليصات التأمين في بعض المناطق عالية المخاطر مثل لوس أنجلوس وكاليفورنيا وبالاسيدس، وذلك بسبب الظروف الجغرافية والبيئية المعقدة. أحد أبرز هذه الشركات هو State Farm، التي امتنعت عن تجديد العديد من بوليصات التأمين على المنازل في منطقة بالاسيدس السنة الماضية كما ذكرنا.
تعزى هذه القرارات إلى مجموعة من العوامل، أهمها ضعف الإدارة المحلية في هذه المناطق، حيث فشلت السلطات المحلية في اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من خطر الحرائق. على سبيل المثال، في منطقة بالاسيدس، كانت المشكلة الأساسية هي تراكم أوراق الشجر الجافة المتساقطة وعدم تنظيفها بانتظام، مما يزيد من خطر نشوب الحرائق. وعليه، قررت شركات التأمين الكبرى مثل State Farm عدم تقديم تغطية تأمينية جديدة في تلك المناطق أو تجديد البوالص السابقة.
علاوة على ذلك، التحذيرات المستمرة من قبل الشركات بأن هذه المناطق تعد مناطق حرائق عالية الخطورة جعلت الشركات الكبرى تتحفظ في تعاملاتها مع هذه المناطق، إذ أن تقديم التغطية التأمينية في مناطق بهذا المستوى من المخاطر يتطلب توفير احتياطات مالية كبيرة، وهو ما قد يكون غير مستدام على المدى الطويل.
التوجه نحو تعديل السياسات بسبب فقر الإدارة المحلية
إن فقر الإدارة المحلية وعدم توفير حلول فعالة للتقليل من مخاطر الحرائق، مثل تنظيف الغابات وتنظيم استخدام الأراضي، هو أحد الأسباب التي دفعت شركات التأمين الكبرى إلى اتخاذ قرارات حاسمة بعدم تجديد البوالص في تلك المناطق. فشلت الحكومات المحلية في فرض أو متابعة السياسات التي يمكن أن تحسن من قدرة هذه المناطق على مواجهة الحرائق، مما جعل شركات التأمين تعتبر تلك المناطق مرتفعة المخاطر وغير قابلة للتغطية التأمينية بدون تكاليف ضخمة.
في النهاية، يمكن القول أن عدم تأثر السوق الأمريكية بشكل كبير بهذه الحرائق يعود إلى قدرة السوق على التعامل مع الأحداث الطارئة، إلى جانب سياسات الشركات الكبرى في تقليل تعرضها لمخاطر عالية من خلال تعديل استراتيجياتها التأمينية. كذلك، يعتبر فقر الإدارة المحلية في مناطق مثل بالاسيدس أحد العوامل الرئيسية التي دفعت شركات التأمين الكبرى إلى اتخاذ خطوات حاسمة لتقليص التغطية التأمينية، مما يعكس أهمية دور الحكومة في توفير بيئة آمنة ومستدامة للعيش والاقتصاد.

Related posts

 أداء الأسواق الأمريكية

البرودة ترفع التضخم العام بينما الأساسي يتراجع ويحرك الأسواق مجددًا

بيانات مؤشر أسعار المستهلك (CPI) في الولايات المتحدة