لماذا قد تشكل الديون العالمية أزمة واسعة ومن أين قد تنشأ؟

أشار تقرير معهد التمويل الدولي والذي صدر مؤخراً إلى ارتفاع مستويات الدين العالمي إلى مستويات جديدة، حيث تجاوزت قيمته 315 تريليون دولار أمريكي.

 

هذا الحجم الهائل من الديون يمكن أن يشكل أزمة في حال حدوث أي أحداث غير محسوبة تضعف أداء الاقتصاد العالمي والاستهلاك والطلب، مما قد يدفع اقتصادات أو حكومات أو قطاعات معينة نحو التعسر والإفلاس وإدخال الاقتصاد في أزمة حادة مالية ستسمى حينها “أزمة الديون العالمية”.

 

ماذا جاء في تقرير المعهد؟

في تقريره، أشار معهد التمويل الدولي إلى أن أحد أكبر المخاطر التي أحاطت بالاقتصاد العالمي خلال الفترة الأخيرة هي تبعات التضخم المرتفع، الذي يؤدي إلى تآكل قوة المستهلك الشرائية.

 

وبالتالي، يمكن أن تحدث الأزمة المالية التي أشار إليها التقرير.

 

الأسواق الناشئة تبلغ مديونيتها حوالي 105 تريليون دولار أمريكي، وبنسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي تصل إلى حوالي 260%.

 

التقرير أيضاً يشير إلى أن النسبة الأكبر من هذه الديون هي بالعملات المحلية، مما يعني أن تبعات هذه الديون ليست جزءاً من الديون بالدولار أو العملات الأجنبية الأخرى.

 

هذا يمكن أن يمنع هذه الاقتصادات من الدخول في أزمة ديون عالمية مباشرة، إلا أن ذلك سيؤدي بالطبع إلى مشاكل اقتصادية أخرى مثل تدهور قيمة العملة وارتفاع التضخم، مما يضعف النشاط الاقتصادي هناك.

 

النمو المستمر للديون

خلال الربع الأول من العام الحالي 2024، نما الدين العالمي بمقدار 1.3 تريليون دولار أمريكي، ويتوقع نموه للعام ككل بحوالي 5.3 تريليون دولار.

 

وتعتبر وتيرة النمو هذه مرتفعة بالنظر إلى أنه في عام 2016 كان الدين العالمي حوالي 220 تريليون دولار أمريكي واستمر بالارتفاع ليصل إلى المستويات الحالية عند 315 تريليون دولار، أي أنه ارتفع بحوالي 95 تريليون دولار في أقل من 8 سنوات.

 

ورغم أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصادات المتقدمة قد ثبتت أو تراجعت قليلاً، إلا أن أغلب تلك الديون هي بالعملات الأجنبية سواء بالدولار الأمريكي أو باليورو.

 

الاقتصادات المتقدمة

الاقتصادات المتقدمة أو الناضجة، وفقاً للتقرير، تشمل الولايات المتحدة الأمريكية ومنطقة اليورو والمملكة المتحدة بالإضافة إلى اليابان. هذه العملات تعتبر محلية نوعاً ما أو يمكن تحويلها إلى العملات الأخرى بسهولة نظراً لقوة هذه الاقتصادات الكبيرة.

 

الرسم التالي يبين مديونية الاقتصادات المتقدمة في الأعلى والناشئة في الأسفل والتغير بين الربع الأول لعام 2024 مقارنة بذاتها لعام 2023

 

الرسم يوضح نمو المديونية بشكل أكبر في الاقتصادات الناشئة:

 

 

التزامات السداد في 2024

في العام الحالي 2024، ملزمة الاقتصادات الناشئة بسداد 6 تريليون دولار من قيمة السندات، ولكن كما ذكرنا، أغلبها بالعملات المحلية.

 

أما الاقتصادات المتقدمة والناضجة فعليها سداد 20 تريليون دولار من قيمة السندات والمديونية بشكل عام.

 

سداد أغلب الدول للحجم الأكبر من ديونها بالعملات المحلية هو ما منع من حدوث أزمة، إلا أن هناك دول تكون ديونها بالعملات الأجنبية مما يمثل عائقاً كبيراً ومهدداً حقيقياً لها ولنشاطها الاقتصادي.

 

القطاعات الأعلى مديونة

الرسم التالي لقيمة المديونية للقطاعات:

 

تظهر بيانات الرسم المديونية القطاعية في الربع الأول من عام 2024 حيث الأسواق الناضجة تحمل أعلى مستويات الديون عبر جميع القطاعات.

 

ففي قطاع الأسر، بلغت الديون في الأسواق الناضجة 39.9 تريليون دولار، بينما كانت في الأسواق الناشئة 19.2 تريليون دولار، ووصلت القيمة الإجمالية العالمية إلى 59.1 تريليون دولار.

 

بالنسبة للشركات غير المالية، وصلت ديون الأسواق الناضجة إلى 50.2 تريليون دولار، في حين بلغت في الأسواق الناشئة 44.0 تريليون دولار، وبإجمالي عالمي بلغ 94.1 تريليون دولار.

 

في قطاع الحكومة، وصلت الديون في الأسواق الناضجة إلى 63.0 تريليون دولار، بينما كانت في الأسواق الناشئة 28.4 تريليون دولار، وبإجمالي عالمي قدره 91.4 تريليون دولار.

 

أما في القطاع المالي، فقد بلغت ديون الأسواق الناضجة 56.5 تريليون دولار، في حين كانت في الأسواق الناشئة 13.9 تريليون دولار، بإجمالي عالمي وصل إلى 70.4 تريليون دولار.

 

إذا نستنتج من هذه التقسيمة أن ثلثي المديونية على القطاع التجاري والأفراد وهي التي تحمل المخاطر الحقيقية على الاقتصادات، حتى لو كانت بالعملة المحلية، كون أن هذه الشركات قد تجد صعوبة في سداد قيمة هذه السندات التي أصدرتها، وهو ما يمثل الخطر الحقيقي على الاقتصاد العالمي.

 

حيث يسهل على الحكومات سداد هذه الديون، لكن يصعب على القطاعات الخاصة سدادها.

 

الصورة التالية لنسبة مديونية كل قطاع إلى الناتج المحلي الاجمالي للربع الأول لعام 2024

 

 

بالختام:

تقرير معهد التمويل الدولي يسلط الضوء على أن الديون العالمية قد وصلت إلى مستويات قياسية، مما يشكل تهديداً للاقتصاد العالمي، خاصة في ظل تبعات التضخم المرتفع والفائدة المكلفة وتآكل القوة الشرائية للمستهلكين.

 

الأسواق الناشئة والشركات عالميا تحمل جزءاً كبيراً من هذه المديونية، والتعامل معها يتطلب سياسات اقتصادية حذرة لتجنب الدخول في أزمة ديون عالمية.

 

ومعظم هذه المديونية تحمل المخاطر الحقيقية على الاقتصادات، خاصة أن الشركات قد تجد صعوبة في سداد قيمة السندات التي أصدرتها، مما يمثل خطراً حقيقياً على الاقتصاد العالمي.

 

Related posts

تحسن النشاط الخدمي في الولايات المتحدة وتصاعد معنويات المستهلكين رغم تباين التوقعات

من سيكسبك أموال أكثر: سهم NVIDIA أم البيتكوين؟

اليورو يتراجع لأدنى مستوى في عامين ومؤشرات الأسهم الأوروبية ترتفع رغم انكماش النشاط الاقتصادي