وبعد طريق طويل في التفاوض البريطاني الأوروبي حول تفاصيل الخروج من الاتحاد
ولدت مسودة الاتفاق التي اقرتها الحكومة البريطانية
إلا أن المفاجأة كانت باستقالة المسؤول عن ملف الخروج دومينيك راب!
الرجل صرح أنه يعارض هذه الاتفاقية لكونها لا تحقق معنى البريكست ولأنها تهدد وحدة المملكة المتحدة!
فهل الاتفاقية فعلا كذلك؟
هي مكونة من 585 صفحة تحتوي على شرح للعلاقة بين الكيانين من عدة جوانب منها حقوق الأوروبيين في بريطانيا وحقوق البريطانيين في الاتحاد الأوروبي والمبلغ المستحق دفعه للخروج وغيرها ولكن كل هذا لا شيء أمام خطورة قضية ايرلندا
فالأوروبيون يريدونها حدود مفتوحة بين جمهورية ايرلندا التي هي جزء من الاتحاد الأوروبي وبين ايرلندا الشمالية التي هي جزء من المملكة المتحدة
أما داعمو البريكسيت فيريدون العكس عبر السيطرة على حدودهم بما يتناسب معهم لا بما يتناسب مع الاتحاد!
الاتفاقية تمنح الاتحاد حدود مفتوحة عبر ما يسمى Backstop أي لا إمكانية للتراجع عن ذلك بشكل فردي من قبل المملكة المتحدة
ولكن ما المقابل الذي سيمنح للبريطانيين؟
المقابل هو منطقة اتحاد جمركي في ايرلندا الشمالية ستعطي ميزة للمصدرين البريطانيين لتصدير بضائعهم إلى الاتحاد عبرها
ولتغيير هذه الوضعية فيجب التوصل لاتفاقية جديدة قبل انتهاء الفترة الانتقالية بستة اشهر أي قبل ستة اشهر من ديسمبر 2020 وإلا ستجبر بريطانيا على الاتفاقية الحالية
أي إذا عرقل الاتحاد أي اتفاقية جديدة تريدها بريطانيا فستجبر على ترك الحدود مفتوحة!
وأما إن أرادت بريطانيا أو الاتحاد تغيير هذه الاتفاقية فيمكن ذلك عبر اتفاقية مشتركة أو اللجوء للتحكيم للبت بالحاجة لها أو عدم الحاجة لها
أي عبر كلمات مبسطة لا قرار بريطاني منفرد في تعديل هذه الوضعية وهو ما يعارضه داعمو البريكست كونهم يريدون السيطرة على قوانينهم وحدودهم من قيود الاتحاد وهذا ما صوتوا لأجله!
ولكن الأمر لم ينته هنا بل يمكن لبريطانيا فرض رسوم على السلع التي يراد لها أن تدخل بقية أجزاء المملكة المتحدة بالرغم من دخولها بدون رسوم إلى ايرلندا الشمالية وهو ما يعارضه حزب الـ DUP حليف رئيسة الوزراء حيث يرفض المعاملة التمييزية لايرلندا الشمالية!
هذا الجانب أيضاً يخيف المعارضين للخطة بأنها تهدد وحدة المملكة المتحدة كون السلع تدخل بحرية إلى ايرلندا الشمالية وتواجه عقبات عند دخولها لبقية أجزاء المملكة وكأن ايرلندا الشمالية ليست جزء من المملكة!
الاتفاقية لا تتدخل فقط بالمنطقة الجمركية والحدود المفتوحة بل طغت لتصل إلى التدخل بالدعم الحكومي الذي قد تمنحه بريطانيا للشركات البريطانية حيث لا يريد الاتحاد أن يتم ذلك بشكل مفتوح حتى لا يضر المصنعين الأوروبيين!
أيضا فالاتفاق بشأن القطاع المالي لن تعطي بريطانيا مكانتها السابقة كونها ستقيد كثيراً!
كل هذه تفاصيل خطيرة في الاتفاقية تمس رغبة الداعمين للبريكست والمؤمنين بفكرة أنه يجب أن يكون بشكل كامل وليس مجتزأ
حيث هناك رغبة منهم لإعادة التفاوض التجاري مع كل دولة على حدى بدلا من الالتزام بقيود الاتحاد الاوروبي
الخطة تبين لنا أن الخروج من الاتحاد ليس كاملاً بشكل حقيقي حيث لم يتم كسر كل القيود بل ما تم عمليا هو إعادة تموضع لتلك القيود
ويمكن وصفها بأنها نظرة إلى أن البديل سيكون أكثر إيلاماً للاقتصاد وأن التسوية هي الحل لتجنبه وأن الطريق الوسط يوصلنا لأقل خسارة ممكنة
هذه الرؤية خاطئة في أذهان المتشددين للبريكست الكامل وصحيحة للمتساهلين به ولذا فإن الخلاف البرلماني سيكون حاداً ولن يستطيع المراهنون على الحسم إلا بعد احتساب الصوت البرلماني الأخير
وهو ما يعني أيضاً أن البرلمان قد يفضل الخروج دون اتفاق على أن يوافق على هكذا اتفاق!
كل الاحتمالات ما تزل متاحة.
نورس حافظ
كبير استراتيجي الأسواق