Table of Contents
لماذا تُفلس الدول الناشئة عندما يرفع الفيدرالي معدل الفائدة؟
رفع معدل الفائدة البنكية يعني ببساطة شديدة أنك اذا وضعت اموالك في بنك ما فالعائد على أموالك يساوي معدل الفائدة السنوي الذي يحدده البنك المركزي في كل دولة
ولكن ليس كل دول العالم واحدة في الوقت الذي نعيشه الآن، فهناك دول قوية اقتصاديا ودول ناشئة أو نامية والفارق كبير بين هذه الاقتصادات وبعضها.
ففي الوقت الذي تعاني فيه الدول القوية اقتصاديا كالولايات المتحدة الامريكية مثلا يجب أن تعرف أن الدول الفقيرة أو النامية ربما تصل الى الافلاس.
لماذا الولايات المتحدة الامريكية؟
أمريكا ليست مجرد دولة قوية وانما هي دولة تتحكم في اقتصادات العالم تقريباً لعدة أسباب، أهم هذه الأسباب:
- الدولار الامريكي والذي يعد العملة الاحتياطية للعالم كله وحدث ذلك كما نعرف أعقاب الحرب العالمية الثانية بعدما خرجت الولايات المتحدة الامريكية قوة عظمى عسكريا واقتصاديا من هذه الحرب بعد الدمار الذي خلفته الحرب في العالم كله خاصة اوروبا
- من نتائج الحرب أن الدولار الأمريكي أصبح العملة المسيطرة في العالم، ومن بعدها أصبح صعود أو هبوط الدولار الامريكي يتحكم في سياسات دول بأثرها
- لا تستغرب الدمار الاقتصادي الحالي على الدول الفقيرة بسبب رفع معدل الفائدة الامريكية على الودائع.
- البورصة الامريكية والتي تجذب معظم رؤوس الاموال في العالم
- السندات الحكومية الامريكية، وهذا لا ينم فقط عن قوة اقتصادية وانما عن ثقة المستثمرين أيضاً في السوق الامريكي.
لماذا تتحكم الفائدة الامريكية في العالم؟
المستثمر هو انسان يريد أن يضع أمواله في أي أصل مالي يدر عليه عوائد مالية مع مرور الزمن حتى لا تتآكل الأموال بسبب مستوى التضخم السنوي، فعندما تقرر أن تستثمر أموالك فلديك أكثر من قناة:
- سوق الاسهم
- سوق السندات
على سبيل المثال، الأسهم تدر عائد مالي أكثر من السندات بشهادة التاريخ، فسوق الاسهم الامريكية أدر عائد 10.66% سنويا في أخر 30 عام.
انتظر لحظة!
انت كمستثمر ذكي يجب أن تسأل، ماذا عن التضخم أو فقدان الدولار لقيمته مع مرور الوقت سنويا ! وهذا السؤال ناتج عن إدراكك انك يجب أن تخصم نسب التضخم من العائد السنوي حتى تكون الحسابات منطقية أكثر، وبذلك تكون نسب العائد 8.10% فقط بعد خصم التضخم السنوي لأخر 30 عام.
الاستثمار والمخاطرة:
إذا أنت قد استثمرت في سوق الأسهم وتحملت مخاطر كهبوط الأسواق بشكل مستمر ودراسة الاسهم ودراسة الاقتصاد وكل ذلك لكي تحصل على 8.10%، ماذا لو أخبرتك ان لدي استثمار أفضل؟. دعنا نضع المال في السندات الحكومية الامريكية ونتحمل صفر من المخاطر وسنجني 5% ولكن لن نتحمل أي أعباء نفسية ناتجة عن مخاطر الاسواق.
في هذه الحالة اذا قررت الاستثمار في السندات الحكومية فهذا لأن السندات تدر عوائد قريبة نسبيا من العوائد على الاسهم، ولكن اذا كانت الفائدة 1% فقط فلن توافق بكل تأكيد، وهو ما يحدث الان، فكلما رفع الفيدرالي معدل الفائدة البنكية كلما اتجهت شريحة من المستثمرين الى وضع الاموال في سوق السندات لانها تدر عوائد مالية كبيرة نسبيا عند مقارنتها بالمخاطر الناتجة عن الاستثمار في الاسهم.
سيأتي لك سؤال الأن،
لماذا لا أضع اموالي كما هي في سوق الأسهم؟ حتى ولو رفع الفيدرالي معدل الفائدة البنكية؟
هذا لانك لا تعرف أن الفيدرالي لا يرفع أبداً معدل الفائدة بهذا الشكل الجنوني الا إذا كانت هناك كارثة تحدث في الأقتصاد، إما أن الأقتصاد ينمو بشكل مبالغ فيه قد يؤدي بالأسواق الى الانفجار وإما ان هناك تضخم قوي جداً وقيمة الدولار الامريكي تهبط بشكل مفزع أمام السلع والخدمات كما يحدث الان، ولذلك يعرف المستثمر أنه كلما رفع الفيدرالي الفائدة كلما تأثرت الأسهم سلباً لذلك يكون القرار السليم بأخذ مخاطر أقل في مثل هذه الحالات ووضع الاموال في السندات أفضل من الاسهم هذا دائماً رأي المستثمر الذكي!.
هناك لعبة ما، في المثال السابق قلت لك أن تطرح نسبة التضخم من العائد حتى تحصل على العائد الحقيقي على استثماراتك، وبنفس الطريقة يفاضل المستثمر بين الاستثمار في السندات او الاسهم، فعندما تكون السندات تدر عوائد 5% مثلا، فلكي تستثمر في الاسهم يجب أن يكون العائد مثلا 10% على الاقل، والا لو كانت الاسهم تدر 5% هي الاخرى لماذا أُخاطر في حين أنني أستطيع عدم المخاطرة والحصول على نفس العائد، وهو السبب الرئيسي لهبوط الاسهم في وقت رفع معدل الفائدة، من الناحية الاستثمارية البحتة هذا هو السبب، أنك لن تخاطر مادام لا يوجد في المقابل عوائد جيدة، فهذا يقود الأسواق الى الهبوط بسبب سحب المستثمرين الأموال ووضعها في البنوك في صورة سندات وبالتالي أخذ العائد السنوي 5% بدون مخاطرة، ولكن لا تنسى أن سحب الاموال من الاسهم يعني بيعها، وبيع الاسهم يعني هبوط أسعارها بسبب قانون العرض والطلب، وبالتالي يزيد الطين بلة، فهبوط الاسهم يضغط على الاقتصاد لأن هذه الاسهم هي شركات في النهاية وهبوط رأس مال الشركات بشكل قوي يعني انها قد تُفلس هي الاخرى!
الاستثمار والعوائد:
ولذلك عندما يقرر أي مستثمر في الاستثمار في الأسهم أول ما يتم حسابه كم العائد من السندات، فإذا كان 5% فلا يرضى بأي حال من الاحوال المستثمر بأقل من 5% كعائد في حالة الاستثمار في الاسهم بعد خصم التضخم، وكما قلنا أن رفع معدل الفائدة يعني في جوهرة هبوط سوق الاسهم أي أن العوائد لن تكون جيدة بسبب أن الشركات تكون تحت ضغوط مالية تمنعها من تحقيق أرباح جيدة للمستثمرين فيها خاصة في وقت التضخم، فإذا لم يجد المستثمر عوائد اعلى من السندات فعندها لن يخاطر. هذا يحدث في الدول الغنية فيما يخص الاسهم والسندات بها، ولكن في حالة رفع الدول القوية معدل الفائدة بسبب مشكلة اقتصادية فيجب على الدول الناشئة رفع الفائدة أعلى منها بكثير حتى تستطيع المنافسة على جذب المستثمرين، فعندما تقرر أمريكا مثلا اعطائك 5% سنوياً بدون مخاطرة عن طريق سندات تصدرها الدولة الامريكية فهذا يعني أن استردادك لأموالك مضمون بنسبة 100%، أما الدول الناشئة والتي قد تُفلس فقد لا تعود منها الاموال أصلا وهذا مصدر من مصادر المخاطرة لذلك اذا قررنا الاستثمار في هذه الدول يجب دراسة ما هي نسبة احتمالات افلاسها ؟ 80% مثلا؟ في هذه الحالة يجب تعويض ال 20% في صورة عوائد زيادة، الأمر أشبه تماما بتسليف اموالك لشخص ما، فعندما يكون الشخص غني وتضمن أنه سيأخذ منك مبلغ ما تعطيه له بسبب انه غني في الاساس اما لو انسان فقير طلب منك مبلغ كبير من المال ستنتظر لحظة لتفكر خوفا من عدم استرجاع الاموال مرة اخرى، لذلك تقوم البنوك المركزية في الدول النامية بإغرائك بفكرة انك ستأخذ عائد 20% بدلاً من 5% وذلك للتفاوض على الاستثمار فيها، ولكن أنت كمستثمر ذكي تحسب نسب التضخم كما اتفقنا، فالنفترض أن نسبة التضخم في الدولة النامية في هذه الحالة 15%، فهذا يعني أن العائد الحقيقي 5% فقط في هذه الحالة لن تستثمر فيها، اذا كانت الدولة القوية تعطيك نفس النسبة فهي الاولى بالاستثمار.
تعميم القانون:
هذا المثال البسيط كان في دولة واحدة ولكن المنطق يعمم على الدول أجمع، وبينها وبين بعضها أيضاً، على سبيل المثال ما معنى خروج الاموال الساخنة من دولة ما؟ يعني أن المستثمر وجد أن معدل الفائدة الذي أخذه من الدولة الاولى أقل من سيناريو وضعه في السندات الامريكية مثلا كدولة قوية اقتصاديا وحالاتها الائتمانية قوية كما ذكرنا في المثال السابق، وبالتالي يحسب المستثمر حساباته التي تحدثنا عنها وفي حالة وجد ان المكسب هناك جيد من حيث المخاطرة الى العائد فعلى الفور يقوم بضخ أمواله في الدولة القوية للحفاظ على مستويات العائد والمخاطرة معاً، وبذلك تتأثر الدول الناشئة بسبب خروج الأموال من اقتصادها وضخها في اقتصاد أخر، الى جانب أن العملة المحلية تهبط بقوة بسبب خروج الأموال والتي تخرج في صورة دولارات أمريكية في الغالب لضخها في الولايات المتحدة الامريكية بالدولار الامريكي مثلاً، إذا يكون مطلوب من الدولة الناشئة توفير مبلغ كبير من الدولار وهو ما يضطرها الى بيع عملتها المحلية وشراء الدولار مقابلها، ولأن قانون العرض والطلب هو أساس كل شىء فهذا يعني ان المعروض من العملة المحلية كبير جداً امام ندرة الدولار لدى الدولة النامية فتهبط العملة المحلية أمام الدولار.
السباق الاستثماري:
هذا السباق الاستثماري موجود دائما ومستمر طول الوقت، وتتحرك رؤوس الأموال من دولة الى أُخرى بشكل مستمر سعيا وراء الفرص الاستثمارية الكبيرة، وكلما زاد معدل الفائدة في الدول الغنية والقوية كلما خرجت أموال أُخرى سعيا وراء الفرص وهذا يعني ضغوط مستمرة على الدول الناشئة أو الفقيرة وإذا استمر رفع الفائدة الى مستويات أعلى فستظل الضغوط على الدول الضعيفة حتى تُفلس في النهاية ولنا في التاريخ عبر كثيرة.
الادهى من ذلك ان الدول الغنية لايمكن أن تفكر في أي شيء إلا مصلحتها فقط، فلن يحدث أبداً أن تضحي تلك الدول بأسواقها التي تتحرك داخلها تريليونات الدولارت بسبب أن دولة ما في الناحية الأُخرى من العالم قد تُفلس جراء السياسات الاقتصادية التي تتبعها، في العالم الرأس مالي قوة الاقتصاد هي الغاية، وستصل اليها الحكومات بأي وسيلة كانت.أخيرا هذا قد يقود الدول الى الافلاس.