لا تكذبوا العوائد الأمريكية في إشارتها لأزمة فقد صدقت في آخر مرتين

يبدو أن الكثير جدا من المتعاملين في أسواق السندات حول العالم يغمضون أعينهم أمام الشبح القادم المهدد للاقتصاد الأمريكي والذي يؤثر على العالمي حتما

 

ويتساهلون أمامه ويلتفون حوله بأن الأمر هذه المرة مختلف ويدعون أنه لا يجب القلق حول الأداء الاقتصادي

 

ومن أبرز هؤلاء هو رئيس الفيدرالي الأمريكي جيروم باول حيث أشار إلى أن أداء سوق السندات لا يفسر إشارات على أن أزمة ما ستحصل ولكنه يراها أنها مجرد رؤية في السوق على أن العوائد لن ترتفع كثيرا

 

إلا أننا نرى أن الأمر ليس بهذه البساطة وهنا نتساءل لماذا يجب أن نصدقهم ونكذب سوق السندات الذي أصاب في آخر أزمتين حادتين وكانت الإشارات به التي أعطاها للجميع صريحة وواضحة ولا تحتمل الفلسفات الفارغة

 

وهنا نستذكر بعجالة آخر ازمتين حادتين ضربتا الاقتصاد الأمريكي كونهما الأقرب للقياس والدراسة

 

إشارات الازمة وفق الرسم تبين لنا أنه قبل ازمة اسهم التكنولوجيا الأمريكية وتحديدا في فترة نهاية التسعينات كان الفرق بين العوائد على السندات السيادية الأمريكية لأجل 10 أعوام ولأجل عامين قد تراجع بشكل لافت واقترب من مستوى الصفر

 

بل ثم تراجع دونه ليصبح العائد على سندات أجل عامين أعلى من تلك التي لأجل 10 أعوام !

 

والأمر تكرر بنفس النمط قبل أزمة سوق الرهن العقاري واشاراتها كانت واضحة في عام 2006 أي قبل تفاقم الأزمة

 

في الوضع الذي لا يشير لأزمات فتكون عوائد أجل 10 أعوام أعلى بفارق بارز من تلك التي لأجل عامين

 

كون السندات التي لأجل طويل تحمل عادة مخاطر أعلى بسبب طول المدة وارتباطها بالمزيد من عدم اليقين

 

وبالتالي يطالب المستثمر بها عائد أعلى حتى يشتريها ويفضلها عن تلك التي للآجال الأقرب كأجل عامين التي تحمل يقين أعلى كونها أقرب زمنيا لحلول الأجل

 

إلا أنه في حالة كان السوق يرى أن المخاطر في المدى الزمني الأقرب هي أعلى مقارنة بالفترات الزمنية الأبعد فذلك يجعل عوائد السندات الأقرب (وهنا نقيس لأجل عامين) تكون أعلى حيث المخاطرة الأعلى تجعل المستثمر يطلب عائد أعلى من تلك التي للأجل البعيد

 

ويمكن فهم ذلك من أن المستثمر لا يرى أن الاقتصاد سيستمر في المدى البعيد في اتجاه جيد يدفع العوائد طويلة الأجل للارتفاع أكثر

 

وبالتالي فإن قيام الفيدرالي برفع الفائدة يؤثر فقط على عوائد الأجل القصير ولا يؤثر على عوائد الأجل الطويل

 

وذلك يعني حقيقة واحدة وهي عدم ارتياح السوق لما يقوم به الفيدرالي ومخاوفه من أن أزمة ستحدث بالنهاية

 

الإشارات في آخر أزمتين كانت واضحة تماما وصدقت بالرغم من وجود فترة قصيرة كانت أو مطولة قبل حدوث الأزمة الفعلية ولكنها بكل الأحوال كانت تشير إلى قربها وكونت إشارة واضحة كان على الجميع مراعاتها

 

حاليا وفق الجزء السفلي من الرسم فالفرق بين عوائد السندات لأجل 10 أعوام وعامين بات عند 0.21% فقط ويقترب من الصفر !

 

متراجعا من نهاية عام 2016 عند مستوى 1.25% ومن نهاية عام 2013 عند 2.62%

 

اعلى الرسم باللون الاصفر عوائد سندات أجل 10 أعوام واللون الاخضر لعوائد أجل عامين

 

أما الرد على التطمينات بأن الاقتصاد الأمريكي جيد ولن يتعرض لأزمة فنقول هنا أن الاقتصاد الأمريكي نعم يشير حالياً إلى نمو جيد ولكن استمرار الفيدرالي برفع الفائدة سيعجل من نقله إلى الركود في العام المقبل أو الذي يليه على أبعد تقدير !

 

وهذا ما يشير إليه السوق أيضاً برفضه رفع عوائد السندات بعيدة الأجل بشكل كبير.

 

 

نورس حافظ

كبير استراتيجي الأسواق

 

Related posts

حالة من التباين في الأداء نتيجة تأثرها بعدة عوامل اقتصادية وجيوسياسية

 نتائج شركة NVIDIA للربع الأخير

تراجع جديد للأسهم الأمريكية والأوروبية وسط استمرار المخاوف الجيوسياسية