كيف تؤثر ثقافة الشعوب على النهوض بالاقتصاد؟

في كتاب كيف تعمل ألة الاقتصاد للمستثمر الأمريكي الشهير، راي داليو، تحدث عن كيف يمكن للدول أن تكون ذات شأن اقتصادي، أو أن تكون الدولة ذات اقتصاد قوي، وكيف أن هناك بعض الدول قوية والأخرى ضعيفة، وكيف ينتهي عصر القوة لدولة ويذهب إلى أخرى؟

في البداية هو يرى أن الإنتاج وعملية استخدام الديون أو الدفع بالأجل والقروض هما الأداتين الأهم في عملية النهوض بالاقتصاد الوطني لأي دولة في العالم، فعندما يكون الإنسان قادراً على الإنتاج بشكل قوي، وعندما تكون الدولة قادرة على إنتاج مزيد من المنتجات، وتكون قادرة على المنافسة، فهذا يعني أن هذه الدولة في الأعوام القليلة القادمة ستكون دولة قوية اقتصادياً. ويرى أن عملية الإنتاج لها عوامل كثيرة منها ما سنتحدث عنه الآن، وهو طبيعة الشعوب وثقافتهم وقدرتهم على العمل بذكاء أو لساعات عمل أكثر. عندما تعرف عدد العاملين داخل الاقتصاد وعدد ساعات العمل لديهم مع الأخذ في الاعتبار الناتج النهائي، فمن الممكن أن تتنبأ بأحوال هذه الدولة في المستقبل. هذا بالطبع إلى جانب العديد من العوامل، بالإضافة أيضاً إلى عملية الإنتاج، فهو يرى أن عملية التعامل مع الديون والقروض والتعامل البنكي في الإنفاق الاستهلاكي له عامل كبير جداً في تحديد هوية الدولة والشعب من الناحية الاقتصادية، فالدولة التي يكون على شعوبها ديون كثيرة بالنسبة لمستويات الدخل هذا يعني أنها ستعاني من عملية كساد حتمية بما أن الدين لن يستمر إلى الأبد في الارتفاع أمام معدلات الدخل. فلابد من أن يأتي وقت ويسدد كل فرد ما عليه من ديون، وهذا ما يسبب الدورة الاقتصادية قصيرة الأجل. والدين بالنسبة إلى الدولة ذاتها ودخلها القوي هو ما يسبب الدورة الاقتصادية على المدى البعيد.

 

فعندما تكون هذه العوامل متحكم فيها من قبل الشعوب بالأخص، فهذا يعني أن الشعب على درجة كبيرة من الثقافة، فهو ينتج أكثر مما يستهلك، إلى جانب أنه يتحكم في عملية الاقتراض من البنوك، بالتالي لن يكون هناك أوقات عصيبة تمر على هذا الشعب وقت تسديد الديون عندما تتسع النسبة بين تلك الديون ومستويات الدخول. إن ثقافة الشعوب هي التي تحدد ما إذا كان هذا الشعب يحب العمل أم لا، وما إذا كان هذا الشعب منتج أم مستهلك، وهذه الثقافة هي التي ينتج عنها قوة أو ضعف الاقتصاد في النهاية.

وبما أن الحالة الاقتصادية تؤثر في ثقافة الشعوب وثقافة الشعوب تؤثر في الحالة الاقتصادية للدول، فهناك خمسة مراحل تمر بها كل دولة.

 

المرحلة الأولى: الدول الفقيرة التي تعرف أنها فقيرة بالفعل

وشعوب تلك الدول دائما ما تتعاملون مع الأموال على أنها كنز لا يجب إنفاقه إلا إذا كانت هناك حاجة ضرورية، نظراً إلى أن مستويات الدخل في تلك الدول تكون متدنية للغاية، فهذا يجعلهم دائمًا يميلون إلى الادخار سواء في الأصول كالعقارات أو إدخار الأموال. وهذه الدول تكون دول بالطبع نامية وتميل دائماً إلى الصعود نحو القمة. ويجب أن يكون لديها من المقومات ما يساعدها كالثروة البشرية مثلاً، لأن هذه الدول غالباً ما تكون المكان الأول للتدفقات النقدية من الاستثمارات الأجنبية، وهذا بشرط أن تكون تلك الدول لديها بيئة سياسية جيدة وتشجع على الاستثمار.

بعض الدول من هذا النوع تتحرك نحو الأمام وتتحول إلى المرحلة الثانية، وهي مرحلة أن الدول تكون غنية ولكنها تعتقد أنها مازالت فقيرة. وفي هذه الحالة تكون الدولة قد نجحت بالفعل في إدارة ثرواتها بنجاح وبدأت طريق التحول نحو الدول الكبيرة والمتقدمة. ولكن بعض الدول تفشل في هذا وتظل كما هي، وفي الغالب تكون العوامل المؤثرة هي ثقافة الشعوب والتي تقود الدولة نحو مزيد من الصراعات السياسية والاقتصادية، فلا تتحرك أبداً نحو الأمام.

والمرحلة الثانية هي مرحلة الغنى مع الاعتقاد أن الفقر مازال هو الحالة العامة، وتأتي من أن تلك الدول يميل شعوبها إلى الادخار بشكل عام إلى أن تتحول ثقافتهم، فيبدأ الأفراد في ادخار مزيد من الأموال زيادة عن الحاجة في الأساس، وهو ما يعني أن لديهم ما يكفيهم وقد يزيد، وهو ما نسميه الغنى مع الاعتقاد أنهم فقراء. ولكن سريعاً ما تبدأ هذه الشعوب في ملاحظة أن لديهم من الأموال ما يكفيهم فيبدأون في التفكير في العمل على تنمية ما لديهم، وهو ما يدفع الاقتصاد إلى الأمام بسبب الاطمئنان الذي يسيطر على تلك الدول.

كما يميلون دائماً إلى الاستثمار في أكثر الاستثمارات أمانًا، وهو ما يدفعهم غلى اللجوء إلى أية استثمارات آمنة حتى وإن كانت خارجية. وسرعة تحول الدول من الفقر إلى الغنى تعتمد في الأساس على ثقافة الشعوب ذاتها، فإن كانت تلك الدول لديها من الوعي والعلم قدر كافي للعمل بشكل أذكى وأقوى للخروج من دائرة الفقر أو الدول ذات الاقتصادات النامية، فهذا يعني أن سرعة تحولها إلى دولة غنية ستكون جيدة جداً.

في المقال القادم سنتحدث عن المرحلة الثانية للدول، ألا وهي مرحلة الدول الغنية والتي تعتقد أنها فقيرة، وكيف تتعامل شعوبها وكيف تكون ثقافتهم وماذا يفعلون في غالب الأمر.

Related posts

تاريخ التحركات الكبرى للبيتكوين وأهم الأسباب

تأثير ترامب على أسواق الأسهم: نظرة على الماضي وتوقعات المستقبل

دليل شامل عن رؤساء أمريكا من الحزبين الديمقراطي والجمهوري