كارثة استراتيجيات التداول هي سبب فشلك في الأساس

منذ ما يقارب العشرة أعوام كنت قد بدأت رحلة البحث في مجال الاستثمار في البورصة والتداول قصير الأجل، وكانت بمثابة رحلة لاكتشاف عالم جديد لم أكن أعرف عنه شيئًا. وكمعظم المضاربين الجدد كانت هناك سحابة سوداء على كل ما يخص التداول من معلومات، وبعدها بدأت من الصفر إلى أن أصبحت ما أنا عليه الآن بعد مئات الالاف من الكلمات والصفحات ومئات الكتب والمقالات العلمية والأبحاث. توصلت لأفكار كثيرة عن التداول، وأكثرها أهمية بالنسبة لي كانت ما يكتب عن أن التداول ليس بالضرورة صحيحًا، فأكثر ما أعاق تفكيري وذهني في التداول هو فكرة استراتيجيات التداول، أو أفكار أخرى مثل أن التداول شيء يسير من الممكن التغلب عليه أو ما شابه. وكانت أكثر الأشياء صعوبة على الإطلاق هي فكرة المعلومات، أياً منها صحيح و أيًا منها خرافة، والأهم هو أيًا من تلك المعلومات يتناسب معي أنا كمضارب إذا سلمنا أن التداول شيء شخصي جداً، وأن لكل مضارب رؤية غير الآخر وتفكير مختلف تمامًا.

 

قاعدة ” How To Do It ” 

كانت إحدى أهم قواعد البحث الخاصة بي هي كيف أفعلها؟ كيف أطبق المعلومة وكيف استفيد منها؟ وكيف أوازن الأمور بشكل منطقي في العموم لأحصل على النتيجة المرجوة. فإذا كنت تريد أن تصبح مضاربًا حقيقيًا في البورصة وتحقق أموالاً من هذا السوق فيجب دائماً أن تعرف كيفية تطبيق القاعدة وليست القاعدة ذاتها. دعني أضرب لك مثالاً.

هناك قاعدة مهمة جدًا في عالم التداول وهي ” Cut your losses short and let your profits run ” وعلى الرغم من بساطة الفكرة إلا أنها أثناء التداول تعد أحد أصعب القواعد على الإطلاق، كونها تتعلق بأمور كثيرة مثل طريقة التداول الخاصة بك وأماكن الدخول والخروج من الصفقات الخاصة بكل مضارب على حدة. وهذا لا يعني أن القاعدة غير علمية أو غير صحيحة، فهي بالنسبة لي هي إحدى أهم القواعد بالفعل، ولكن الأهم هو كيفية استخدامها و يفية تضمين خطة التداول ضمن تلك القاعدة. وأنا لا أتحدث عن هذه القاعدة فقط، فهناك مئات من القواعد يجب دائماً النظر لها من ناحية كيفية التطبيق وليس فقط المعرفة.

أسهل ما يمكن أن يفعله المضارب أن يعرف القاعدة أو الحكمة أو المقولة، ولكن أصعب ما يمكن على المضارب هو أن يطبقها بشكل صحيح. ولهذا أسباب كثيرة لا أود الحديث عنها هنا في هذا المقال، ولكن أؤكد لك أن القواعد الخاصة بالتداول صعوبتها ليست في معرفتها ولكن صعوبتها تكمن في تنفيذها.

استراتيجيات التداول من وجهة نظري هي خرافة أيضاً من خرافات التداول، واعتقد أنه تم ابتكارها لتسهيل بيع فكرة التداول لغير المحترفين حتى يستسهلوا صنع الأرباح، وفي النهاية ينتهي بهم الحال إلى الخسارة، وقد تكون خسارة فادحة في معظم الوقت. وإن كان هناك ما يسمى باستراتيجيات التداول البسيطة التي نسمع عنها، فإني أؤكد لك أيضاً أن سأكون أول العاملين بها. بعد عشرة أعوام من البحث والاطلاع بشكل يومي للوصول إلى السر، فقد توصلت له بالفعل، ألا وهو أنه لا يوجد سر من الأساس.

دعني أكون أكثر وضوحًا. استراتيجيات التداول التي أتحدث عنها قد تختلف عن مفهومك بالكلية، فما أعنيه باستراتيجيات التداول هي البرامج والطرق البسيطة التي تعطي للمضارب أماكن للدخول أو الخروج من الصفقات بشكل بسيط، هذا ما أعنيه ولا أعني خطة التداول، لأن هناك فارقًا كبيرًا بينهما في الآونة الأخيرة، ولكن أعني الخطة الكاملة لإدارة الحساب وإدارة أموالك والمخاطر الخاصة بك وكيفية الدخول والخروج من السوق أيضاً بناءاً على أسلوب قوي في التحليل ربما أو أسلوب علمي لاستخدام علوم التحليل سواء الفني أو الأساسي.

 

استراتيجية التداول هي كارثة بكل المقاييس

لماذا؟ لأنها ببساطة تؤثر على المضارب من جهتين. الأولى هي تحجيم المضارب فيما يخص اتخاذ قرارات الدخول والخروج من السوق في حين أن هناك أسبابًا كثيرة جداً للدخول والخروج. والثانية هي الضغوط النفسية التي تعيق المضارب من التعامل مع السوق بمرونة كافية، وهو أمر مطلوب. هيا نتناول كلاً على حدة.

 

تحجيم قرارات المضارب:

نجد أنه في سوق العملات الأجنبية مثلاً أو السلع أو أسواق العقود الآجلة بشكل عام هناك طريقتين للتداول، إما الشراء أو البيع كما هو معروف. وهذا لأن الأسعار تسير دائماً بشكل عشوائي على المدى القصير، وهو الإطار الزمني الذي يريده المضارب للتداول على أيًا من المنتجات. التداول طويل المدى يسمى استثمارًا، و هو ليس موضوعنا الآن. أنا أتحدث عن الحركات التي سُميت في كتب التحليل والتداول بأنها حركة صغيرة وغير مجدية كما جاء في كتاب إدوارد أند ماجي مثلاً.

وفي حين أن تلك الحركات ليست ذات أهمية بالنسبة للمستثمرين، إلا أنها ذات أهمية كبيرة بالنسبة للمضارب، لأنه يتعامل معها هي في الأساس، وتلك التحركات تكون عشوائية إلى حد كبير، وهو ما يجعل من أسباب الدخول والخروج من الصفقات في هذه اللحظة كثيرة جداً وصعبة جداً في نفس الوقت. والسؤال هنا إذا كانت هناك أسباب كثيرة جداً للدخول والخروج وكلها متغيرة من وقت لآخر، فما هو سر أن تتمسك أنت بإشارة وحيدة أو اثنين للدخول أو الخروج من السوق تحت مسمى استراتيجية التداول؟!

الاستراتيجية غالباً ما تكون نوع معين من المضاربات، وتكون معروفة وتتمتع بقدر كبير من الاحتمالات. لهذا يتم التوصية باستخدامها، ولكن كيفية استخدامها تكون هي المشكلة أيضاً. البساطة جيدة ولكنها غير كافية لتجعلك مضاربًا ناجحًا. هذا الأسلوب الذي يسمى بالاستراتيجية يعني أنك تفوت فرصًا كثيرة أمامك وأنت لا تراها، وتتعجب كيف وصل السعر إلى هذه المنطقة، وكان من الممكن أن تشارك في هذه الحركة وتصنع كثيراً من الأرباح. الإجابة هي أنك كنت تريد ما تبحث عنه، وهي الإشارة الخاصة بك فقط، وفي هذا تضييق على حدود تفكيرك كمضارب. الصعوبة تكمن أيضاً في تحديد اتجاهات السوق والتي تتغير باستمرار، فهناك استراتيجيات مثلاً تستطيع استخدامها على الاتجاهات الهابطة أو الصاعدة، ولكنها غير مجدية أثناء الاتجاهات العرضية، فما الحل؟ أو العكس حين تكون الاستراتيجية خاصة بالاتجاه العرضي والسوق أمامك يتجه صعوداً أو هبوطاً، فما الحل أيضاً؟

والكارثة تأتي عندما نتحدث عن الحركات الصغيرة، والتي تسير بطريقة عشوائية كما ذكرنا بين الهبوط والصعود. وفي معظم الأحوال تدخل الحركات الاتجاهية الصاعدة في حركة عرضية قبل أن تأخذ أرباحك، والعكس صحيح في الاتجاه الهابط، فما الحل؟

كل هذا اللغط يوصلنا إلى المشكلة الثانية للاستراتيجيات وهي: 

الضغوط النفسية 

الضغوط النفسة الناتجة عن كل هذه الحيرة في الدخول والخروج من الصفقات في الغالب تؤدي بالمضارب إلى مرحلة الرؤية الضيقة جداً، فبدلاً من أن يرى السوق على حقيقته بأنه ساحة كبيرة من الفرص، يبدأ في التفكير بأنه لا يوجد إلا الفرصة الحالية لأنه لا يراها إلا كل وقت طويل. لذلك يخاطر المضارب بكثير من أمواله تحسباً من أن الفرصة قد لا تأتي مرة أخرى. دعني أخبرك بأن هذا سبب كبير في صعوبة تطبيق قاعدة كقاعدة “اقطع خسائرك سريعًا” والتي تحدثنا عنها في أول المقال. تلك الرؤية الضيقة أنت تعلم أنها مزيفة، لأنك تدخل كل يوم في مضاربة وكأنها آخر مضاربة لك، ولكن إحساسك بأنك قد لا تجد هذه المضاربة مرة أخرى فقط ناتج عن التزامك العقلي بأنك تستخدم أسلوب تداول جيد لا تريد تغيره ولا تريد المضاربة إلا حين تأتي الفرصة المنصوص عليها في الاستراتيجية، على الرغم من أنك إما تفقد صبرك فتدخل السوق على هوالك، أو تدخل السوق بالفعل بناءاً على إشارة جيدة ضمن استراتيجية التداول الخاصة بك وتكون المخاطرة هي الكارثة في هذه الحالة.

 

التداول يحتاج إلى فهم عميق، هو ليس مجرد استراتيجية بسيطة، ولكنه عالم كبير تتغير فيه الاحتمالات باستمرار. كل ما أستطيع أن أوصيك به هو أن تحاول أن تفهم متى تكون الاحتمالات في صالحك واستمر في السوق لتحقيق أفضل نتيجة، والعكس عندما تكون الاحتمالات ضدك، اخرج من السوق قبل أن تكون الخسائر كبيرة. في آخر المطاف كل ما تم ذكره ربما لا يتناسب معك إذا كنت تحقق أرباحًا جيدة ومستمرة على المدى البعيد.

Related posts

تاريخ التحركات الكبرى للبيتكوين وأهم الأسباب

تأثير ترامب على أسواق الأسهم: نظرة على الماضي وتوقعات المستقبل

دليل شامل عن رؤساء أمريكا من الحزبين الديمقراطي والجمهوري