الحرب التجارية:
في عالم حديث تأسس على اعتماد الدول على بعضها البعض، وفي عالم اقتصادي وتجاري حر، كان من الطبيعي أن تتأثر جميع الأسواق عندما تحدث مثل هذه المشاكل الاقتصادية بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، الصين وأمريكا. خلال العامين الماضيين شهدنا حرب شرسة بين الصين وأمريكا فيما يخص الضرائب الجمركية على السلع المستوردة من كلاً من الدولتين.
فالولايات المتحدة الأمريكية رفعت معدلات الضرائب الجمركية على الواردات الصينية كما هو معروف حتى تدفع المستهلك المحلي إلى المنتجات المحلية. وعلى الرغم من أن العالم موصول ببعضه كما ذكرنا، وهو ما يجعل من اعتماد الدول على بعضها اقتصاديًا شيء جيد وفي مصلحة الكل، إلا أن أمريكا شهدت عجزًا كبيرًا في الميزان التجاري، وهو ما دفع الحكومة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب إلى رفع التعريفة الجمركية على الواردات الصينية حتى يقلل من كمية الأموال المهدرة على الواردات. على الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر أكبر الدول اقتصاديًا وصناعيًا، إلا أنها تستورد بمبالغ كبيرة جدًا من الصين.
ورأت الحكومة الأمريكية أنه برفع التعريفة الجمركية على الواردات الصينية فمن الممكن أن يتوجهه المستهلك الأمريكي إلى السلع الأمريكية، وهو ما سيزيد من الطلب على المنتجات الأمريكية ويؤدي ذلك إلى المزيد من الإنتاج والمزيد من الرخاء والتطور في أسواق المال والبورصة كما حدث في 2018 بعدما قررت الحكومة أيضاً أن تقلل الضرائب على كلاً من الشركات والأفراد حتى تزيد من عمليتي الإنتاج والطلب على المنتجات في وقت واحد. إلا أن معظم الاقتصاديين توقعوا بأن تقليل الضرائب بهذا الشكل كان السبب الأساسي وراء التهاب الأسواق ووصول الدورة الاقتصادية إلى القمة سريعاً بعد اندفاع معدلات النمو بقوة في أواخر عام 2018، وهو ما أدى إلى احتمالية دخول الاقتصاد في مرحلة الانكماش خلال العامين القادمين نظراً لارتفاع أحجام الديون بشكل قوي. أما رفع التعريفة الجمركية فتوقع المستثمرون أن المستهلك هو من سيدفع الثمن.
الصين ردت بقوة على قرار رفع التعريفة الجمركية على صادراتها للولايات المتحدة الأمريكية بأنها رفعت هي الأخرى التعريفة الجمركية على الواردات الأمريكية بنفس النسب تقريبًا وعلى نفس عدد المنتجات التي رفعت عليها الولايات المتحدة الأمريكية الضريبة الجمركية.
كانت الأمور تسير طبيعية من وجهة نظر البعض، فالولايات المتحدة الأمريكية رفعت التعريفة الجمركية، وفي المقابل الصين هي الأخرى رفعت التعريفة الجمركية، ولكن الأمر لم يكن بتلك البساطة، فقد تجلت عبقرية الصيت في الآتي:
رفع التعريفة الجمركية بذكاء:
لم تقوم الصين فقط برفع التعريفة الجمركية على السلع الأمريكية، ولكنها قامت برفع التعريفة الجمركية بذكاء على أهم السلع التي ليس لها سوق في الولايات المتحدة، وهو ما يعني أن السلع التي رفعت عليها الصين التعريفة الجمركية لن يكون لها طلب من قبل المستهلك الأمريكي، وبالتالي لن تباع إلا داخل السوق الصيني. ورفع التعريفة الجمركية عليها يعني أن هذه السلع لن تباع من الأساس. أيضاً هذه السلع يتم إنتاجها في ولايات تتمتع بالكثافة السكانية والتي أعطت صوتها إلى الرئيس الأمريكي، وهو ما يعني أن الصين تحاول ضرب شعبية الرئيس الأمريكي في هذه الولايات بعد توقف حركة الإنتاج لديها وانخفاض الطلب على السلع المنتجة من خلالها. وهو ما تراه الصين أنه تدمير إلى شعبية الرئيس الأمريكي عن طريق ضرب كتلته التصويتية في مقتل.
انخفاض الطلب على سندات الخزانة الأمريكية
ولم تكتفي الصين برفع التعريفة الجمركية، ولكنها أيضًا خفضت الطلب على السندات الأمريكية حتى لا تضغط بشكل إيجابي على الدولار الأمريكي بسبب زيادة الطلب عليه نتيجة تدفق الأموال إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما أدى إلى ارتفاع قيمة العملة الصينية أمام الدولار الأمريكي في الفترات السابقة. وبهذا خرجت الصين من المشاكل المحتملة لليوان الصيني في ظل انخفاض صادراتها بشكل كبير بسبب هبوط معدلات التجارة الدولية بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.
اليوان الصيني:
ارتفعت أسعار اليوان الصيني في الفترات الأخيرة، حيث وصل سعر العملة أمام الدولار الأمريكي إلى المستوى 6.72620 في حركة هابطة قوية. ومن المحتمل أن يشهد الزوج مزيدًا من الهبوط الفترات القادمة خاصة إذا استطاع كسر المستوى المذكور.