خلال العام الجاري شهد الاقتصاد العالمي توترات كثيرة، وكانت ناتجة عن بعض الأحداث السياسية والاقتصادية، وبعضها كان ناتجًا عن سياسات تجارية دولية، مثل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين. الحرب التجارية نتجت عن رؤية الحكومة الأمريكية بأن سياسة التجارة الدولية تحتاج إلى تعديل مسار، وأن اتفاقات التجارة الدولية مع الصين تفيد الأخيرة أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما دفع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى اتخاذ إجراءات رفع التعريفة الجمركية كما هو معروف حتى تتوازن المنافع بين الدولتين.
وكانت تلك الخطوة بداية كل شىء، ونتج عن تلك الخطوة مسلسل من الأحداث على الساحة العالمية يعاني منها اقتصاد كثير من الدول في الوقت الحالي، على رأسهم الولايات التحدة الأمريكية نفسها، وذلك كان بسبب اتخاذ إجراءات قوية فيما يخص التجارة الدولية، والتي هددت الاقتصاد العالمي ككل بالتباطؤ في معدلات النمو.
هل انتهت الحرب التجارية؟
بكل تأكيد لم تنتهي، ولا نرى أن هناك حلولاً جذرية للمشكلة في الاجتماع القادم بين رئيس الصين ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية. المشكلة أعقد من ذلك، فهي ليست مجرد عناد شخصي، بل هي مشكلة تصحيح السياسة العامة للتجارة بين الدولتين.
لن تحل هذه الأزمة إلا بفوز مرشح آخر بانتخابات الولايات المتحدة الأمريكية العام المقبل. أما ترامب فسياسته معروفة لمعظم المستثمرين الذين يروون أن الرئيس الأمريكي لن يترك حق الولايات المتحدة الأمريكية في مزيد من المنافع التجارية حتى ولو كلف هذا الأمر الولايات المتحدة الأمريكية مزيد من الضغوط، أو حتى لو كانت النتيجة تباطؤ الاقتصاد العالمي. من وجهة نظر ترامب، فالاقتصاد الأمريكي قوي جداً، وهذا ما دفعه إلى انتقاد البنك الفيدرالي بشكل دائم منذ توليه الرئاسة.
هل الفيدرالي يسير على النهج الصحيح؟
نعم، بكل تأكيد! فرئيس الفيدرالي لديه معرفة قوية بتاريخ الاقتصاد الأمريكي، وهو يعرف جيداً أن خفض الفائدة البنكية خطوة خاطئة عندما يكون هناك احتمالات بدخول الاقتصاد في مرحلة الركود، ولذلك لأن في حالة الركود يكون مطالب الفيدرالي بخفض الفائدة. إذا هو يعرف جيداً قيمة الكارت الرابح، ومتى وأين يجب استعماله، فتخفيض الفائدة في الوقت الحالي من الممكن أن يُدخل الاقتصاد الأمريكي في مرحلة الكساد إذا زادت التوترات التجارية الصينية. فإذا دخل الاقتصاد في مرحلة الركود في حين أن الفائدة النكية قريبة من مستويات الصفر كما يريد الرئيس الأمريكي، فهذا يعني زيادة احتمالات دخول الاقتصاد في مرحلة الكساد.
مرحلة الكساد تعني انتحار الاقتصاد الأمريكي في الوقت الحالي، بسبب كثرة الديون وأحجامها. الاقتصاد الأمريكي قوي جداً في المرحلة الحالية، وعندما يكون الاقتصاد بهذا الحجم فإن انفجاره يعني كارثة لم تشهدها الولايات المتحدة ولا العالم من قبل.
إذًا فإن قرارات الفيدرالي الآن جيدة، على الرغم من أن الدولار الأمريكي قوي جداً في المرحلة الحالية، حتى بعد خفض الفائدة إلى مستويات جيدة، إلا أن الطلب على الدولار الأمريكي قوي في الوقت الحالي. ولكن من المحتمل أن يشهد الدولار مزيد من الضعف في الفترات القادمة، وسيكون هذا الضعف كافي لأن تسير الأمور بشكل جيد، وإلى أن يتم الوصول إلى حل جيد فيما يخص التجارة مع الصين.
استمرار طلب الرئيس الأمريكي من الفيدرالي يقلق أيضاً المستثمرين، فعدم دراية الرئيس بأن الأزمة سببها الأساسي هي الحرب التجارية التي تزيد من قلق الأسواق. فهل يرى الرئيس الأمريكي أن الفيدرالي هو سبب المشكلة بسبب اتجاه نيته إلى مزيد من الضغوط الأمريكية على الواردات الصينية؟! هذا تساؤل مهم في الوقت الحالي، لأن عدم إيجاد حل جذري للحرب التجارية يؤكد دخول الاقتصاد في ركود، وهو أمر غير مرغوب فيه في الوقت الحالي.
الأسواق في الوقت الحالي تتحرك بناءاً على الأخبار الوقتية، ولكن التحرك المنطقي حاليًا يجب أن يكون استمرار صعود المعادن النفيسة والملاذات الآمنة، وهبوط مؤشرات السوق الأمريكي أو هدوء تحركاتها في الوقت الحالي، وهبوط الدولار الأمريكي زادت احتمالاته جداً في الشهور الماضية.