بعد عناء اقتصادي طويل استطاعت الصين أن تُجبر الرئيس الامريكي على التراجع عن القرارات التي كادت أن تُرجع الاقتصاد الصيني الى أعوام للوراء، عادت الاسواق اليوم الى مزيد من التفاؤل بعد أن صرح وزير التجارة الصيني أن الولايات المتحدة والصين قد اتفقوا على انهاء التعريفات الجمركية التي فرضتها الحكومة الامريكية على الصين خلال العامين الماضيين، وفي المقابل ستكون الصين ملتزمة أيضاً بانهاء التعريفات التي فرضتها هي الاخرى على الواردات الامريكية، ولكن كان الشرط الوحيد للصين أن تكون تلك الالغاءات متساوية بين الدولتين، في اشارة اخرى الى أن التعامل بالند وليست هناك أية ضمانات قائمة على حسن نية الولايات المتحدة الامريكية، فكلما تراجعت الولايات المتحدة الامريكية كلما تراجعت الصين أيضاً خطوة للوراء.
هل هذه الخطوة انتصار للصين على ترامب؟
لا يمكننا تسمية ما حدث انتصار للصين على الولايات المتحدة الامريكية، فما حدث عبارة عن وعد فقط بالتراجع عن القرارات التي أثرت على العالم الاقتصادي، ولكن هي بمثابة مرحلة اولى قد تكون مبشرة ان تم تنفيذها بشكل جدي ولكنها مازالت مرحلة اولى، فلا نعلم الى الان حجم التعريفات الجمركية او نسبتها المئوية التي اتفق عليها الطرفين ، او الموعد المحدد لبدء الالغاء،ولكن هو اتفاق شبه عائم بين الدولتين في اشارة الى وجود نية للتفاوض وحل الازمة التجارية بين الدولتين.
ولكن هناك احتمالات وإن كانت ضئيلة أن تكون الولايات المتحدة قد تصرفت بما يريح الرأي العام الامريكي والعالمي في ظل هذه الظروف الصعبة للرئيس الامريكي بعد ان اقتربت الانتخابات الامريكية القادمة فلابد أن يحاول الرئيس الامريكي ارضاء الرأي العام والذي وفق أحدى الاحصائات الحديثة أن نصف الشعب الامريكي غير راضي عن اداء الرئيس في الولاية الاولى له للولايات المتحدة.
خلط الامور الاقتصادية والسياسية أمر خطير.
من الواضح منذ أن تولى الرئيس الامريكي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الامريكية وهو يهتم بالاقتصاد الامريكي، فهو قادم في الاساس من بيئة لا تعرف غير البزنس، وُلد وتربى وعمل في أجواء المال والارباح والتجارة والبزنس، لذلك كان رؤيته الاساسية لدفع الولايات المتحدة الى أن تكون ” عظيمة مرة اخرى ” أن يكون الاقتصاد قوي، ولكن التسرع دائماً ما يقلب الموازين، فعندما كان الاقتصاد الامريكي يسير بشكل جيد في العامين الاول والثاني لولاية الرئيس الامريكي قام في أخر عام 2017 بتخفيض الضرائب على الشركات والافراد، وهو ما نتج عنه ضرر سلبي وغير ايجابي ويعني هذا أن القرار كان غير مدروس بشكل جيد من قبل الحكومة الامريكية حيث أثر هذا القرار على دخل الحكومة الامريكية بشكل كبير، وعلى الرغم من أن القرار كان يهدف الى زيادة انتاج الشركات والحد من خروج الشركات خارج الاقليم الامريكي بسبب الضرائب وتكلفة الانتاج الا أن القرار أثر بالسلب لان الشركات لم تزيد من الانتاج بشكل ملحوظ لان معدلات العرض والطلب كانت جيدة والاسواق لم تكن في حاجة الى هذه الزيادة وانما فاد هذا القرار الشركات ذاتها بسبب الفائض الكبير من الاموال والتي ضخته الشركات في اسهمها لدعم مركزها المالي.
السياسة الامريكية الان انخرطت في الاقتصاد، لان الرئيس الامريكي يلغي الان قرارات التعريفات الجمركية على الواردات الصينية بسبب نيته في أن يستمر في الحكم الامريكي لولاية اخرى، وهنا يجب أن يُطرح سؤال هام، لما كانت تلك التعريفات من الاساس؟ فإن كان زيادة التعريفة الجمركية حدث لصالح الاقتصاد الامريكي فلما التراجع الان؟ اما وإن كان القرار لمصلحة شخصية أو سياسية وهي البقاء على العرش فلما كان التسرع في زيادة قوة الاقتصاد الامريكي.
يبدو أن الهدف كان الاقتصاد الامريكي في أول الامر ولكن بعد النتائج السلبية تغيرت الامور لتصبح سياسية بأن الاستمرار في الحكم لولاية اخرى الان أصبح أهم لدى الرئيس الامريكي من السير في الخطة التي وضعها لدعم الاقتصاد وهنا يكمن الحذر.
هل هي خطة خداع أم أن الرئيس قد تعلم الدرس اقتصاديا؟.
الخوف الوحيد الان أن يستمر الرئيس الامريكي في الحكم ويفوز بالانتخابات القادمة،من ثم يبدأ في التعامل مع قضية الواردات الصينية بعنف وبشدة مرة اخرى تحت أي مسمى، فقد شهدنا الرئيس الامريكي في الولاية الاولى يتأثر بشكل قوي بأنفعالاته ويتخذ قرارات كثيرة بناءاً على تلك الانفعالات وهو ما يعني أن الرئيس الامريكي قد يغير رأيه في أي وقت وبأي شكل في الوقت الذي يريده، وعلى الرغم من أن الصين الان أصبحت نداً قوياً للولايات المتحدة وهو ما يعني ان أي اخلال بالاتفاق يعني أن الصين هي الاخرى ستتراجع عن الغاء الجمارك على الواردات الامريكية أي أن ذلك يعني استمرار الحرب التجارية، والتي ستؤثر على الاقتصاد العالمي ككل، أياً كان الامر فبداية النهاية للحرب التجارية في مصلحة جميع الاطراف، والان نحن على أعتاب تنفيذ الوعود الامريكية الصينية بأنهاء هذه الحرب التي لم يستفيد منها أحد.
التأثير على الاسواق .
شهدت المؤشرات الامريكية مزيد من الصعود لمستويات تاريخية جديدة بعد الاعلان عن بدء الاتفاق على الغاء التعريفات الجمركية بشكل تدريجي، ولكن بكل تأكيد مازال الحذر موجود، والحذر الان ليس فقط من استمرار الحرب التجارية ولكن من الاثر الذي ترتب على بدأها وهو ما يعني اننا قد تخطينا فكرة الاستمرار ولكن الان يجب التعامل مع الاثر الذي نتج عنها، فتقريباً كل الدول المنتجة الان في العالم بدأت تطبيق السياسة النقدية التوسوعية لتحفيز معدلات النمو التي في كثير من الدول كالصين مثلاً بدأت في الضعف، ونرى الان أيضاً عمليات تحفيز اقتصادية لدى منطقة اليورو التي خفضت توقعاتها للنمو في العام المقبل.