إليكم إعادة صياغة مُفصّلة ومنظمة لمحاضرة هوارد ماركس “كيفية التفكير في المخاطر”، مع الحفاظ على كل فكرة رئيسية وتنظيمها لتحقيق أقصى قدر من الوضوح والعمق. يغطي كل قسم موضوعًا أو رؤية مُحددة.
كيفية التفكير في المخاطر – نظرة مُعمّقة لهوارد ماركس
1. ما هي المخاطر؟
يبدأ ماركس بتوضيح أن هذه ليست محاضرة حول ما يجب التفكير فيه، بل حول كيفية التفكير – وتحديدًا، حول المخاطر، التي يُعرّفها بأنها الاختبار النهائي لمهارة المستثمر. لا معنى لرقم العائد في حد ذاته إلا إذا فهمتَ المخاطرة التي تحمّلتها لتحقيقه. المهارة تتعلق بمقدار العائد المُولّد مقارنةً بالمخاطرة المُتحمّلة.
2. دور المخاطرة في تقييم المديرين
يُوضّح ماركس نماذج لنسب المخاطرة والعائد باستخدام سيناريوهات مُختلفة للمديرين في ظلّ حالتين سوقيتين (ارتفاع السوق بنسبة 10%، انخفاض السوق بنسبة 10%):
المدير الأول : يُوازن السوق في كلا الاتجاهين ← لا يُضيف أي قيمة. بمعنى أنه عندما يصعد السوق 10% أو يهبط 10% فمحفظته تفعل ذلك بالضبط.
المدير الثاني: ضعف الأداء في كلا الاتجاهين ← عدواني فحسب، وليس ماهرًا. ومعنى ذلك أن صعود السوق أو هبوطه بنسبة 10% محفظته تصعد أو تهبط 20%.
المدير الثالث: نصف الأداء في كلا الاتجاهين ← دفاعي فحسب.
المدير الرابع: يتفوق في الأوقات الجيدة ولكنه يُضاهي الأداء في الأوقات السيئة ← لديه تباين إيجابي، ويضيف قيمة.
المدير الخامس: ـ (حسب تفضيل ماركس): يُضاهي الأداء الإيجابي، ويُحد من الانخفاض ← هذه مهارة حقيقية. أي عندما يهبط السوق بنسبة 10% فهو يخسر فقط 5%.
الخلاصة:
المستثمر المتفوق يُحقق مكاسب تُضاهي أداء السوق أو أفضل في الأوقات الجيدة، ولكنه يُخسر أقل في الأوقات الصعبة. هذه رؤية ماركس للمستثمر الذكي الذي يتحكم جيداً في المخاطرة وبالتالي هو أولى بإدارة أموالك.
3. المخاطرة ≠ التقلب
يُساوي التمويل التقليدي (وخاصةً من جامعة شيكاغو) التقلب بالمخاطرة لأنه قابل للقياس. يُعارض ماركس هذا الرأي: التقلب مجرد عرض، وليس المخاطرة بحد ذاتها.
المخاطرة الحقيقية = احتمال خسارة رأس المال الدائمة.
في أوكتري وهي الشركة الخاصة بهاورد ماركس، لا يقولون أبدًا: “لن نستثمر في هذا الاستثمار لأنه متقلب”. بل يتحدثون عن الخسارة المحتملة. يطالب الناس بعوائد أعلى ليس بسبب التقلبات، بل لتحمل مخاطر الخسارة.
4. هل يمكن قياس المخاطر كميًا؟
لا يمكن قياس المخاطر مسبقًا، لأنها مبنية على عدم اليقين المستقبلي. ومن المثير للدهشة أنها أيضًا غير قابلة للقياس بأثر رجعي. مثال: إذا تضاعفت قيمة أحد الأصول، فهل كانت آمنة أم محفوفة بالمخاطر؟ لا يمكنك معرفة ذلك من خلال النتيجة وحدها. النتيجة الجيدة لا تعني بالضرورة مخاطرة منخفضة، والنتيجة السيئة لا تعني بالضرورة مخاطرة عالية.
5- أشكال متعددة من المخاطر
يُحدد ماركس أكثر من 24 نوعًا من المخاطر في مذكرته “إعادة النظر في المخاطر… مرة أخرى”. من الأمثلة البارزة:
– مخاطر الفرصة: خطر الإفراط في الحذر وتفويت الفرص الواعدة.
– مخاطر السيولة
– المخاطر النفسية: الإجبار على الخروج من القاع (وهذا أسوأ خطيئة).
– البيع في القاع أسوأ من الشراء في القمة، لأنك ستفوت فرصة التعافي في النهاية.
6. دور عدم اليقين في المخاطر
يستند ماركس إلى بيتر بيرنشتاين: تنشأ المخاطر من الجهل بالمستقبل. لا نعرف أي نتيجة من النتائج ستحدث. كثيرًا ما لا نعرف حتى النطاق الكامل للنتائج المحتملة. “قد تحدث أشياء أكثر مما سيحدث.” المستقبل هو توزيع احتمالي، وليس مسارًا معروفًا. حتى معرفة الاحتمالات لا تُزيل عدم اليقين.
٧. مثال لعبة الطاولة (الاحتمال ≠ اليقين)
باستخدام احتمالات النرد: النتيجة الأكثر احتمالاً هي ٧ (٦ نتائج من أصل ٣٦)، لكن هذا لا يعني أنك ستحصل على ٧. هذا هو جوهر التعامل مع الاستثمار. نحصل على نتيجة واحدة فقط، حتى لو كنا نعرف جميع الاحتمالات.
٨. القيمة المتوقعة قد تُضلل
غالباً ما تُستخدم القيمة المتوقعة في اتخاذ القرارات (مثل المتوسط المرجح للنتائج). المشكلة: قد لا تكون القيمة المتوقعة نتيجة ممكنة. على سبيل المثال، إذا كانت النتائج المحتملة ٢، ٤، ٦، ٨، فقد تكون القيمة المتوقعة ٥ – لكن ٥ ليست نتيجة صحيحة. كما أن بعض النتائج في التوزيع (مثل الخسارة الكارثية) قد تكون غير محتملة، حتى لو كانت خارج حسابات المُستثمر في البداية ولم يُفكر في احتمالات حدوثها.
٩. المخاطر سلوكية وغير بديهية
يؤثر إدراك المخاطر على السلوك أكثر من المخاطرة نفسها. مثالان: في مدينة هولندية، أدت إزالة لافتات المرور إلى تقليل الحوادث – فقد قاد الناس سياراتهم بحذر أكبر.
أما في تسلق الجبال مثلاً ، لم تُقلل المعدات الأفضل من الوفيات – بل خاطر الناس أكثر. طريقة تصرف الناس تُشكل المخاطر الفعلية. بناءاً على ادراكهم لهذه المخاطر وطريقة تفكيرهم فيها.
١٠. المخاطرة منتشرة، خفية، وخادعة
يمكن أن يؤدي الشعور بالأمان إلى المزيد من المخاطرة. يرى الناس أن الأصول الهابطة أكثر خطورة، لكنها في الواقع أكثر أمانًا بسبب انخفاض سعرها. يرى الناس أن الأصول الصاعدة أكثر أمانًا، لكنها أكثر خطورة بسبب تضخم سعرها. وهذا هو الفرق بين تفكير المُستثمر والشخص العادي. غالبًا ما تنكشف المخاطرة فقط أثناء الأزمات – مثل زلزال يكشف عيوبًا هيكلية. أو كما حدث في جائحة كورونا عندما تفاجىء معظم المستثمرين بهبوط الأسواق بشكل قوي وسريع.
١١. الجودة لا تعني السلامة
قد تظل الأصول عالية الجودة محفوفة بالمخاطر إذا كان سعرها مبالغًا فيه. مثال: أسهم “Nifty Fifty” في ستينيات القرن الماضي – شركات عظيمة تم شراؤها بتقييمات مرتفعة جداً، على العكس من ذلك، يمكن أن يكون الأصل منخفض الجودة آمنًا إذا تم شراؤه بسعر رخيص بما يكفي (مثل السندات عالية العائد). “ليس المهم ما تشتريه، بل ما تدفعه.” وهذا مبدأ مُعظم المستثمرين الذي يدفعون مقابل القيمة، فمعرفة القيمة في حد ذاتها أداة مهمة تُحدد سعر الأصل المالي، بدون معرفة القيمة الحقيقية للأصل المالي تعني أن السعر غير قابل للقياس.
١٢. علاقة المخاطرة بالعائد
النظرة التقليدية: زيادة المخاطر = زيادة العائد. يجادل ماركس: من الخطأ افتراض أن المخاطرة تُسبب العائد. يجب أن تصاحب المخاطرة العالية المُتصورة إمكانية تحقيق عائد مرتفع لجذب رأس المال. لكن هذا العائد غير مضمون. العلاقة الحقيقية هي: العائد الأعلى المتوقع يأتي مع مزيد من عدم اليقين. أي بمعنى أخر انخفاض نسبة الاحتمالات. وفلسفة ذلك تكمن في أن معرفة الناس لشيء لم يكن يعرفونه عن الشركة بشكل مفاجيء تجعلهم يتسارعون في شرائه للاستفادة من الصعود القوي المبني على المعلومات الجديدة التي ظهرت فجأة، وظهر ذلك كثيراً في شركات التكنولوجيا مثلاً، فلم يكن يتوقع أحد في بداية أمازون أنها ستُغير شكل التسوق الى الأبد كما فعلت أو حتى مايكروسوفت التي غيرت شكل العالم الذي نعيش فيه.
١٣. كيفية التعامل مع المخاطر عمليًا
تخيل الاستثمار كسحب ورقة يانصيب من وعاء مليء بالنتائج. المستثمرون الجيدون أفضل في الحكم على مزيج الأوراق الجيدة والسيئة. إدارة المخاطر تتطلب استخدم الحكم الذاتي، وليس الإحصائيات فقط. اعتمد على آراء الخبراء ذوي الخبرة. يفضل ماركس التحليلات غير الدقيقة ولكن المتعمقة على الأرقام الدقيقة ولكن غير ذات الصلة.
بمعى أخر يتبنى ماركس استراتيجية البروفيسور اثاواس دامودران والتي تقول دراسة الأصل المالي ليس فقط بالأرقام وانما يجب أن يكون وراء هذه الأرقام قصة منطقية تدعمها تلك الأرقام والتي تؤدي في النهاية الى العوائد المُتوقعة.
14. فلسفة إدارة المخاطر
من بيتر بيرنشتاين: “السؤال الرئيسي ليس ما إذا كانت النتيجة متوقعة، بل ما إذا كنت مستعدًا لما لا تكون عليه.” وجهة نظر ماركس: المخاطرة = احتمالية حدوث نتيجة غير مواتية من بين مجموعة من الاحتمالات. يجب الموازنة بين: خطر الخسارة خطر تفويت المكاسب. وهو مبدأ تقبل المخاطر وليس افتراضها فقط.
15. المخاطرة مستمرة وليست متقطعة
المخاطرة لا تنشط وتنطفئ (أي استثمارفيه “مخاطرة” أو “مخاطرة متوقفة”). أنت بحاجة إلى وعي دائم بالمخاطر – كما هو الحال في كرة القدم، حيث تدافع وتهاجم في آنٍ واحد، وليس كما هو الحال في كرة القدم الأمريكية.
16. تشبيه التأمين
عقلية التأمين: لا تندم على التأمين حتى لو لم يقع أي حادث. ينبغي أن يركز الاستثمار بالمثل على التحكم في المخاطر، وليس تجنبها. تحمل المخاطر بذكاء يُحقق عوائد جيدة.
١٧. تشبيه الاستثمار في السندات عالية العائد
عندما سُئل عن كيفية الاستثمار في السندات التي قد تتخلف عن السداد، قارن ماركس ذلك بتأمين الحياة: شركات تأمين الحياة تعلم أن الناس سيموتون. إنهم: يُحللون المخاطر (عبر الأطباء والإحصاءات)، يُنوّعون محفظة المخاطر، يفرضون رسومًا كافية لتغطية الخسائر المتوقعة + هامش الربح. تفعل أوكتري الشيء نفسه مع مخاطر الائتمان.
١٨. جوهر الاستثمار المتفوق
“يبني المستثمرون المتفوقون محافظًا استثمارية تحقق أداءً جيدًا إذا سارت الأمور على ما يرام، وتتراجع قليلاً إذا سارت الأمور على نحو خاطئ.” هذا التفاوت هو الأساس.
يجب أن تكون إدارة المخاطر: مستمرة مُدمجة تركز على التحكم في الخسائر، وليس على تجنب جميع المخاطر.
١٩. خلاصة القول بناءاً على خبرة ماركس في التعامل مع المخاطر.
لا يمكنك تحقيق الربح دون تحمل المخاطر – ولكن تحمل المخاطر لا يُخوّلك الحصول على عائد. يُدار المخاطر على أفضل وجه من قِبل أشخاص ذوي خبرة ودراية، لا من خلال صيغ مُعقدة. يكمن سر الاستثمار الناجح في فهم: توزيع الاحتمالات ما إذا كانت العوائد تُبرر المخاطر في نهاية المطاف “يتميز المستثمرون المتميزون بمعرفتهم أي ورقة استثمارية تستحق المخاطرة.”