حرب عقول السيليكون، هل تهز شرائح جوجل عرش إنفيديا في عصر الذكاء الاصطناعي؟

 1. من يملك عرش الذكاء الاصطناعي اليوم؟ 
في السنين اللي فاتت اتعودنا نسمع إن أوبن آيه آي هي نجمة الذكاء الاصطناعي، وإن إنفيديا هي الملكة المطلقة في عالم الشرائح اللي بتشغّل نماذج الذكاء الاصطناعي.
وفي المقابل، كان الانطباع العام إن جوجل متأخرة في السباق؛ نماذجها مش بنفس جودة المنافسين، ووجودها في المشهد أقل ضجيجًا.
لكن اللي ما كانش ظاهر إن جوجل كانت شغّالة بهدوء في الخلفية من سنين، وبتحضّر مفاجأة هدفها تقول للعالم:

“إحنا اللي اخترعنا اللعبة… وإحنا اللي نقدر نغيّر قواعدها وقت ما نحب.”

المفاجأة دي هي مزيج بين نماذج جوجل الجديدة (Gemini 3) وبين الشرائح الخاصة بيها (TPU) اللي بدأت تهز عرش إنفيديا قدام كبار السوق زي ميتا وأنثروبيك.

2. البدايات المتواضعة لإنفيديا

نرجع شوية للخلف، لسنة 1993.
ثلاث مهندسين قاعدين في مطعم بسيط في كاليفورنيا، بيحلموا يعملوا شركة تغير عالم الحوسبة: جينسن هوان ،كريس مالاشوفسك، كيرتس برايم الفكرة كانت وقتها تبدو بسيطة:  شرائح رسوميات (جرافيكس) لألعاب الفيديو. في الوقت ده ألعاب الفيديو كانت جرافيكس بدائية جدًا؛ مربعات وأشكال بسيطة. بس جينسن شاف أبعد من الألعاب:

شاف إن العالم هيحتاج نوع جديد من “المخ” للكمبيوتر، مش بس للألعاب، لكن لأي مهمة محتاجة معالجة بصريّة كثيفة.

برأس مال أولي متواضع حوالي 600 دولار (200 لكل واحد)، تأسست الشركة اللي عرفناها بعد كده باسم NVIDIA.

3. كيف نجت إنفيديا من الإفلاس؟
 في منتصف التسعينات، إنفيديا كانت على وشك إنها تختفي،  أول شرائح عملتها للشركة اليابانية سيغا كانت ضعيفة جدًا تقنيًا، وسيغا رفضت المنتج.
النتيجة: خطر إفلاس حقيقي ،الاستغناء عن نصف الموظفين تقريبًا لكن هنا ظهر ذكاء جينسن في البزنس: راح لمدير سيغا، واعترف إن التصميم غلط، وقال له بصراحة:
“المنتج مش هيشتغل كويس، وأنصحكم تروحوا لشركة ثانية.” وفي نفس الوقت طلب منهم يحتفظوا بالتمويل عشان يطوّروا شريحة جديدة تنقذ إنفيديا. بشكل مفاجئ، سيغا وافقت، وقدمت لهم حوالي 5 مليون دولار. الفلوس دي كانت نقطة التحول: إنفيديا أعادت التصميم من الصفر، خرجت بأول منتج ناجح، وباعت مليون وحدة في خلال أشهر قليلة. من اللحظة دي، جينسن فهم قاعدة اللعبة في عالم الشرائح: “يا تبتكر… يا تختفي.”

4. CPU vs GPU: ليه شرائح إنفيديا مهمة للذكاء الاصطناعي؟
 عشان نفهم دور إنفيديا في الذكاء الاصطناعي، لازم نبسّط الفرق بين المعالج المركزي (CPU) ومعالج الرسوميات (GPU).
  • الـ CPU زي شيف عبقري:
    • ذكي جدًا
    • يقدر يعمل مهام معقدة
    • لكن بيعملها واحدة واحدة وبعدد محدود من الأيدي (أنوية قليلة)
  • الـ GPU زي جيش كبير من المساعدين:
    • كل واحد بسيط، شاطر في مهمة صغيرة
    • بس عددهم ضخم جدًا
    • يقدروا ينفذوا ملايين العمليات الصغيرة في نفس اللحظة
تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي مش محتاج “شيف عبقري” يحل معادلة معقدة وراء الثانية، هو محتاج:
  • ملايين العمليات الرياضية البسيطة
  • تتنفذ في وقت واحد
هنا يتفوق الـ GPU؛ لأنه يقدر “يفرم” الأرقام دي بالتوازي، وده اللي خلّى إنفيديا تبقى قلب ثورة الذكاء الاصطناعي.

5. كودا: السلاح السري لإنفيديا
 قوة إنفيديا مش في الشريحة بس، لكن في النظام اللي حواليها.
هنا ييجي دور CUDA:

  • “لغة” أو طبقة برمجية بتخلي المبرمجين يكتبوا كود يشتغل مباشرة على شرائح إنفيديا.
  • إنفيديا طرحت كودا سنة 2006، قبل ما الذكاء الاصطناعي ينفجر بسنين.
  • طلاب الجامعات والباحثين بدأوا يتعلموا عليها مجانًا.
النتيجة:
  • لما الذكاء الاصطناعي بدأ يقلع فعليًا، أغلب الباحثين كانوا أصلاً متعودين يشتغلوا على CUDA.
  • أي شركة عايزة تبني نموذج ذكاء اصطناعي متقدم، بتلاقي إن أسرع وأسهل طريق هو شرائح إنفيديا.

6. أزمة جوجل مع قوة الحوسبة وبداية مشروع TPU
في 2013، جوجل كانت بتستخدم الذكاء الاصطناعي في كل شيء تقريبًا:

  • البحث
  • اقتراحات يوتيوب
  • التعرف على الصوت
  • معالجة الصور
بس المشكلة كانت في استهلاك قوة الحوسبة.
حسابات جوجل الداخلية وصلت لنتيجة مخيفة:

“لو المستخدمين بدأوا يستخدموا البحث الصوتي 3 دقائق بس في اليوم… هنحتاج نضاعف عدد مراكز البيانات.”

قدام الإدارة ثلاث اختيارات:
  1. يشتروا سيرفرات أكثر (مكلف جدًا)
  2. يعتمدوا بالكامل على شرائح إنفيديا (أغلى، وتبعية كبيرة لمورد واحد)
  3. يبنوا شريحة خاصة بيهم مخصصة للذكاء الاصطناعي
القرار كان: نبني شريحتنا الخاصة.

وهنا بدأ مشروع سري جدًا في جوجل:

  • فريق صغير من مهندسي الشرائح
  • هدف واحد:
  • شريحة مخصصة للشبكات العصبية فقط

  • الاسم: TPU – Tensor Processing Unit

7. TPUs: شريحة جوجل المصممة للذكاء الاصطناعي
 في وقت قياسي تقريبًا بعالم الشرائح، أول نسخة من TPU كانت جاهزة خلال حوالي 15 شهر.  بحلول 2015: TPU v1 كانت شغالة بالفعل داخل مراكز بيانات جوجل. جوجل كانت ناوية تبني عشرات الآلاف منها، وانتهى بها الأمر بأكثر من 100 ألف شريحة. الشريحة دي استخدمت في:

  • البحث والإعلانات
  • والإنجاز الأشهر: AlphaGo
برنامج AlphaGo هزم بطل العالم في لعبة Go سنة 2016؛ لعبة كان الخبراء شايفين إن الذكاء الاصطناعي مش هيقدر يتفوق على الإنسان فيها قبل عشر سنين إضافية على الأقل. الرسالة الحقيقية من جوجل كانت: “إحنا مش بس شركة محرك بحث… إحنا شركة ذكاء اصطناعي، وعندنا كمان الشرائح الخاصة بينا.”
8. GPU vs TPU: سويسري ضد مفك
 نقدر نلخص الفرق كالتالي:
  • GPU من إنفيديا:
    • زي سكين الجيش السويسري
    • أداة متعددة الاستخدامات
    • ينفع للجرافيكس، الفيديو، المحاكاة العلمية، والذكاء الاصطناعي
    • مرن ويشتغل مع أنواع كثيرة من البرمجيات
  • TPU من جوجل:
    • زي مفك متخصص
    • معمول لمهمة واحدة: حسابات الذكاء الاصطناعي
    • كفء جدًا في الطاقة والسرعة للمهمة دي بالتحديد
    • لكنه أقل مرونة من GPU
على مستوى مراكز البيانات:
  • TPUs أشبه بـ قطار سريع يمشي على قضبان محددة:
    • كفاءة عالية
    • سرعة رهيبة
    • لكنه محكوم بالمسار اللي اتصمم له
  • GPUs أشبه بـ سيارة دفع رباعي:
    • ممكن ما تكونش بنفس كفاءة القطار في المسار المخصص
    • لكن تقدر تمشي في أي طريق، وعلى أي تضاريس
عشان كده الباحثين يحبوا إنفيديا لما يجربوا أفكار جديدة؛ لأنها تعطيهم حرية تعديل النماذج والأساليب بسهولة.

9. صدمة Gemini 3: جوجل ترجع للساحة بقوة
 في 2025، جوجل أعلنت عن Gemini 3، أحدث نموذج ذكاء اصطناعي عندها.
خلال ساعات من إطلاقه:

  • بدأ يتصدر جداول الاختبارات (Benchmarks)
  • حقق أرقام قوية في:
    • الرياضيات
    • البرمجة
    • التفكير المنطقي
  • وظهر إن بعض النماذج المنافسة اللي كانت متصدرة بدأت تبان أقدم نسبيًا أمامه.
المهم هنا مش بس أداء Gemini 3، لكن أين تم تدريبه؟
  • النموذج اتدرّب أساسًا على شرائح TPU الخاصة بجوجل، مش على شرائح إنفيديا.
  • الرسالة:
  • “نقدر نبني نموذج من أقوى نماذج العالم… من غير ما نعتمد على إنفيديا.”

10. أنثروبيك وميتا: إشارة خطر لإنفيديا
 بعد نجاح Gemini 3، بدأت الأخبار تتكلم عن:

  • محادثات بين ميتا وجوجل عشان استخدام شرائح TPU في مراكز بيانات ميتا.
  • صفقة ضخمة بين جوجل وشركة Anthropic (اللي تطور نموذج Claude):
    • الوصول إلى حوالي مليون شريحة TPU
    • بقيمة تقدّر بعشرات المليارات من الدولارات
    • وقدرة حوسبة هائلة بحلول 2026
الملفت:
  • أنثروبيك أسسها باحثون سابقون في أوبن آيه آي
  • عرفوا كويس إمكانيات شرائح إنفيديا، وشرائح أخرى في السوق
  • ومع ذلك اختاروا شرائح جوجل لأسباب تتعلق:
    • بالأداء
    • والكفاءة مقابل التكلفة
ده خلّى جوجل تنتقل من مرحلة “نستخدم الشرائح داخليًا” لمرحلة:

“إحنا بديل حقيقي لإنفيديا… وبنبيع الهارد وير ده للعالم.”

11. سوق شرائح الذكاء الاصطناعي: كعكة بنصف تريليون دولار
 التوقعات بتشير إن سوق شرائح الذكاء الاصطناعي ممكن يوصل لما يقرب من نصف تريليون دولار سنويًا في خلال عدة سنوات.

إنفيديا لسنين كانت مسيطرة على:

  • حوالي 85–90٪ من سوق شرائح الذكاء الاصطناعي (GPU للـ AI)
  • إيرادات مراكز البيانات عندها وصلت لعشرات المليارات في ربع واحد
  • فيه حديث عن طلبات محجوزة بمئات المليارات على أجيالها الجديدة من الشرائح
لكن المشكلة اللي بدأت تقلق العملاء:
  • الاعتماد على مورد واحد
  • الأسعار المرتفعة
  • صعوبة توفير الكميات الكافية
فشركات زي:
  • مايكروسوفت
  • أمازون
  • ميتا
    بدأت تدور على بدائل:
  • TPU من جوجل
  • Tranium من أمازون
  • Instinct من AMD
  • أو تصميم شرائح خاصة بيهم

12. ميزة جوجل: التكامل الرأسي الكامل
 القوة الاستراتيجية لجوجل مش بس في TPU أو Gemini، لكن في التكامل الرأسي:

  • نماذج الذكاء الاصطناعي: Gemini
  • الشرائح: TPU
  • البنية التحتية السحابية: Google Cloud
  • المنتجات النهائية:
    • محرك البحث
    • يوتيوب
    • أندرويد
يعني:

من السيليكون… إلى الكود… إلى التطبيق اللي بيستخدمه مليارات البشر، كله تحت سقف واحد.

ده بيخلي أي تحسين في شريحة أو نموذج، يطلع تأثيره بسرعة في منتجات الناس بتتعامل معها يوميًا.

13. سلاح إنفيديا ما زال حاضرًا: منظومة كودا
 رغم كل ده، إنفيديا لسه عندها نقطة قوة رهيبة: منظومة البرمجيات.

  • ملايين المطورين متعودين على CUDA
  • أُطر الذكاء الاصطناعي الكبرى (PyTorch, TensorFlow وغيرها) مضبوطة أساسًا على بطاقات إنفيديا
  • تريليونات الأسطر من الأكواد مبنية على افتراض إن الـ GPU من إنفيديا
اللي عايز يسيب إنفيديا ويروح لجوجل أو غيرها:
  • محتاج يعيد كتابة جزء من الأكواد
  • يدرب فرق جديدة
  • ويتقبل إن في حاجات مش هتشتغل بنفس السلاسة أول فترة، ده سبب مهم ليخلّي إنفيديا تفضل لاعب أساسي حتى لو المنافسة اشتدّت.

    14. السيناريوهات المحتملة لمستقبل اللعبة
     ممكن نتخيل المستقبل في كذا سيناريو:

    أ) جوجل تستحوذ على جزء معتبر من السوق

    لو شركات زي ميتا، أنثروبيك، وغيرهم فضّلوا شرائح جوجل:

  • ممكن توصل حصة جوجل في شرائح الذكاء الاصطناعي لـ 10–15٪ خلال كام سنة
  • جزء من سوق ضخم جدًا، ومصدر دخل جديد لجوجل ما كانش موجود قبل فترة قصيرة
  • الأهم: إنفيديا ما تبقاش “الخيار الوحيد”
ب) إنفيديا تحافظ على هيمنتها

لو:

  • تكلفة التحويل بعيدة عن إنفيديا فضلت عالية
  • كودا فضلت مهيمنة
  • والأجيال الجديدة من شرائح إنفيديا استمرت تقفز في الأداء
في الحالة دي:
  • إنفيديا تفضل القائد الرئيسي للتدريب الضخم لنماذج الذكاء الاصطناعي
  • وTPU تبقى خيار قوي لكن محصور في منظومة جوجل ومن يرضى يدخل عالمها
ج) توزيع الأدوار بين أكثر من لاعب

وده السيناريو الأكثر واقعية:

  • إنفيديا تفضل رقم 1 في تدريب النماذج العامة الكبيرة
  • جوجل تكسب في أعباء عمل معينة (زي استخدام أنثروبيك أو خدمات Google Cloud)
  • AMD تخدم العملاء اللي ميزانيتهم أقل
  • وكل شركة كبرى تبني شريحتها الخاصة لخدمة نظامها البيئي
صناعة الشرائح هنا مش لعبة فائز واحد، الكعكة بتكبر بسرعة تسمح لأكثر من لاعب يحقق أرباح هائلة.

15. الخلاصة: من يمسك مفتاح الذكاء على الكوكب؟
 التاريخ التكنولوجي بيقول لنا:

  • “ما فيش ملك باقي للأبد.”
  • نوكيا كانت رمز الهواتف، واختفت من القمة
  • ياهو كانت مرادفًا للإنترنت تقريبًا، واختفت من المشهد الأساسي
إنفيديا نفسها بدأت كثلاثة شباب في مطعم صغير، وقدرت تهز عرش الشركات الكبيرة في وقتها.
اليوم المفارقة إن جوجل هي اللي بتلبس ثوب “المتمرّد” وتحاول تغيّر قواعد اللعبة في الشرائح والذكاء الاصطناعي.

السؤال المفتوح:

  • هل يقدر جينسن هوانغ يحافظ على إمبراطورية إنفيديا؟
  • أم أن “قطار” جوجل السريع المسمّى TPU وGemini هيفرض مسار جديد للصناعة؟
اللي نعرفه بس إننا عايشين في لحظة تاريخية:

جيل بيشوف قدامه – شريحة بعد شريحة – إعادة تشكيل لخرائط القوة في التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، والاقتصاد كله.

Related posts

تحليل بيانات الإنفاق والدخل وثقة المستهلك الأمريكية 

ارتفاع الأسهمالأمريكية قبل بيانات التضخم، الأسواق تقترب من اعلى مستوياتها التاريخية.

 صفقة تهزّ وول ستريت – نتفليكس تبتلع Warner Bros… وأسهم التكنولوجيا تقود المزاج الإيجابي