هل تعلم أن التداول تمامًا مثل كرة القدم، وأن المدرب الكبير، بيب جوارديولا، يشبه أيضًا المضارب المحترف. يكمن وجه التشابه بين جوارديولا والمضارب المحترف في أن كلاً منهما يضع خطة واستراتيجية ويحاول أن يربح قدر المستطاع، ولكن النتيجة دائمًا غير مؤكدة وغير مضمونة. كما قال أحد علماء التداول، مارك دوجلاس، أن النتيجة دائمًا ستكون غير مؤكدة، وأن المضارب لابد أن يؤمن بأنه لا يوجد شيء أكيد، وأن كل ما عليه هو أن يحاول قدر الإمكان أن يفعل ما يجب فعله، وعلى المدى البعيد ستكون النتيجة مؤكدة بالنجاح، لأن الخطوات كانت صحيحة. وهو ما يعني أن النتيجة على المدى القصير غير مؤكدة وإنما على المدى البعيد ومع عدد كبير من المضاربات ستكون نتيجتك مؤكدة، إما بالنجاح أو الفشل.
لو أخذنا كرة القدم كمثال على ذلك ستجد أنها مشابهة جدًا للتداول، حيث أن كرة القدم أيضًا لا يمكن أبدًا التأكد من نتيجة كل مباراة على حدة، ولكن من الممكن أن تتنبأ أن فريق ما تزداد احتمالات حصوله على دوري أبطال أوروبا مثلاً لأنك تعرف جيدًا أن هذا الفريق على المدى الطويل نتائجه تكون رابحة، حتى وإن كانت نتيجة مباراة واحدة سيئة، فالدوري يتكون من عدد كبير من المباريات. ومن الممكن أن يتعصر هذا الفريق، ولكنه قادرًا على العودة لأنه يسير وفق خطة جيدة. المدير الفني للفريق من الممكن أن يفعل كل شيء في سبيل الحصول على المركز الأول، ولكن هذا لا يؤكد حصوله على المركز الأول، فهناك دائمًا احتمالات فشل موجودة. من الممكن أن يكون هناك فريق أفضل منه مثلاً، أو أن هناك ظروف في المباراة قد تخذله، ولكن الأهم أن هذا لا يجعل منه مدربًا فاشلاً. انظر إلى نتائجه خلال مشواره التدريبي تعرف أنه مدرب ناجح، وذلك لما حققه على المدى البعيد.
المضارب والمدرب كلاهما يجب أن تحكم على نتائجهم على المدى البعيد، وليس لكل صفقة أو مباراة على حدة. النجاح يقاس على المدى البعيد فقط في كل شيء، فالفشل اليوم لا يجعل منك فاشلاً، ولكن الفشل والاستمرار في الفشل هو ما يجعل منك إنسان فاشل أو مضارب فاشل أو حتى مدرب فاشل.
كرة القدم تمامًا كالتداول، كل مباراة بمثابة صفقة داخل البورصة من الممكن أن تفشل وتحقق خسائر ومن الممكن أن تنجح وتحقق لك الربح المنتظر. الأهم من هذا أن تعرف كيف تدير المباراة، فعندما يبدأ بيب جوارديولا المباراة يكون قد وضع الخطة قبل المباراة، وعندما أدخل صفقة في سوق العملات أفعل نفس الشيء. عندما يبدأ جوارديولا في قراءة المباراة في النصف الأول منها أفعل أنا مثله تمامًا، كلانا يبدأ في معرفة خط سير المباراة، هل الاحتمالات جيدة أن تنجح الخطة أم لا، هل كنت على صواب في وضع الخطة أم على خطأ، هل كانت الخطة هي الأفضل في مثل هذه الظروف أم لا، هل توقعت سيناريوهات المباراة بشكل جيد أم أن هناك شيء ما كان قد غاب عني أثناء وضع الخطة ويجب أن أحاول تعديله أثناء سير المباراة.
في الوقت الذي يبدأ فيه جوارديولا في التغيرات لزيادة نسبة احتمالات الفوز وتعديل ما يجب تعديله ضمن خطة إدارة المباراة، أفعل أما المثل أيضًا كمضارب، فمن المحتمل أن أقلل عدد الصفقات لأن ظروف الصفقة لم تكن كالمتوقع، ومن المحتمل أن أبدأ التحول من أسلوب الهجوم إلى أسلوب الدفاع عن أموالي أيضًا، وذلك بأن أبدأ في تحريك مستوى وقف الخسائر لأضمن أن الخسارة لن تكون كبيرة في ظل اختلال نسب احتمالات النجاح وهبوطها ضدي تمامًا. مثل جوارديولا حينما وجد أن الفريق المنافس يهاجم مرمى فريقه بشراسة فيدفع بلاعب دوره الدفاعي قوي حتى يصد هذا الهجوم القوي على فريقه، أو العكس عندما يجد أن فريقه قد سيطر على المباراة بشكل جيد ولكن ينقص الفريق لاعب هداف فيدفع بمهاجم آخر ليزيد من الضغط وليخرج رابحًا في النهاية. في التداول من الممكن أن أزيد عدد الصفقات وأزيد أحجام التداول عندما تزداد الاحتمالات لصالحي بعد الدخول في الصفقة.
تفكير المدير يكاد يكون متشابه عندما يكون محترف، فهو يعلم جيدًا أن ما يمكن أن يفعله هو فقط التصرف العقلاني الصحيح، وهذا لا يضمن النجاح ولكن يزيد من احتمالاته. فهل خسارة مباراة أمس بين فريق مانشيستر سيتي وتوتنهام في دوري الأبطال تجعل من جوارديولا مدربًا فاشلاً؟! بكل تأكيد لا، هو ناجح عندما تكون معايير النجاح والفشل عقلانية، ولكن بالنسبة لكثير ممن ليس لديهم معايير عاقلة للقياس هو بكل تأكيد مدرب فاشل، ولكن الفشل الحقيقي هو عدم التصرف بعقلانية والاندفاع نحو الحكم على المدرب أو المضارب بالفشل أو النجاح فقط لخسارة مباراة واحدة أو صفقة واحدة بالنسبة للمضارب. يعرف العالم كله حجم جوارديولا، فهو ليس في حاجة لأن يستمع إلى آراء الهواة فيه. وأنت أيضًا كمضارب يجب أن تثق في قدراتك وألا تسمع لمن ليس عندهم العلم الكافي للحكم عليك. وأعني ما أقول لأن المضارب المبتدئ من الممكن أن يفقد الثقة الضرورية للنجاح فقط بسبب الإنصات كثيرًا لآراء الهواة فيه.
هل سيترك جوارديولا التدريب بعد الخروج من دوري الأبطال؟
بالطبع لا، فسيمضي المدرب الكبير في طريقه وسيبدأ في نسيان ما حدث وتوجيه لاعبيه إلى التركيز فيما هو قادم، وأن عليهم أن يكونوا أفضل وأفضل حتى لا تحدث الخسارة مرة أخرى، وهذا ما يجعل منه مدربًا محترفًا. المحترف ليس من لا يخسر أبدًا، ولكن المحترف هو من يتدارك الخسارة ويتركها ويمضي ناسيًا. المضارب أيضًا عندما يكون محترف ويخسر صفقة ما يفعل تمامًا مثلما يفعل المدرب المحترف، فكلاهما يعرف أن النجاح قادم وأن الخسارة جزء من اللعبة ويجب تقبلها وإلا فلا مجال للعب، ولا للربح من الأساس.