الدول التي تتميز باقتصاد قوي في الغالب ما تعيش شعوبها في حالة رخاء قوي، وسترى ذلك في مستويات الأجور والمرتبات وعدد ساعات العمل والتي تقل بشكل كبير عن الدول التي تصنف ضمن الاقتصادات الضعيفة. هذا إلى جانب أن هذه الدول تكون أكبر دول مستوردة في العالم، ويتميز اقتصادها بالقوة ويشعر الشعب بأنه غير قلق على مستقبله، وتتحول الأجيال من أجيال تحاول الادخار خوفًا من المستقبل إلى أجيال تنفق بلا خوف. وفي غالب الأمر تكون تلك الدول من مستخدمي السلع الثمينة، فهو سوق جيد للسيارات الفارهة والسلع التكنولوجية المتطورة وما إلى ذلك.
ودائماً ما يميل مستثمري تلك الدول إلى الاستثمار في الاقتصادات الناشئة، والذي يتميز بالعمالة الرخيصة ومستويات أقل من حيث المعيشة والأجور والمرتبات، وفي الغالب أيضاً تكون هذه الدول من الدول القوية من حيث الاقتصاد والسياسة. والأهم أنها تكون قوية عسكرياً أيضاً، وتميل دائمًا تلك الدول إلى التطور العسكري وإعداد قوة عسكرية تكفي إلى أن تحمي هذه الثروات التي تمتاز بها.
وبعد هذه المرحلة تأتي المرحلة الأخيرة من سلسلة مراحل الاقتصادات، وهي مرحلة أن تكون الدولة فقيرة وتظن شعوبها أنها غنية أو قوية اقتصادياً.
وبسبب أسلوب الحياة التي تعودت عليه تلك الدول تكون شعوبها كما ذكرنا في مرحلة الرخاء النفسي والمادي، وتنفق هذه الدول أكثر مما تنتج لأنها غنية كما ذكرنا في الجزء الأول في المقال، وهو ما يتسبب في زيادة الديون واتساع الفارق بين مستوى الدين ومستوى دخل الفرد إلى أن يصل حجم الدين إلى مرحلة لا يمكن معها أن يتسع الفارق أكثر من ذلك. وفي هذه المرحلة تبدأ الدولة في مرحلة التباطؤ ويقل الإنفاق الاستهلاكي، بعدها تبدأ الأجور والمرتبات في النقصان وتبدأ مع الوقت عملية تقليل النفقات من الشركات و هو ما يزيد من معدلات البطالة.
في المقالات السابقة وصولاً إلى هذا المقال عرضنا كل المراحل التي يمر بها اقتصادات الدول المختلفة، والتي جاءت في التاريخ ولم تتغير تلك المراحل بمرور الزمن، فهي ثابتة. ولكن يدور الاقتصاد بين الأربعة مراحل التي ذكرناها كالتالي:
1- الدول الفقيرة التي تعرف مركزها المالي بأنه ضعيف (مرحلة التصارح)
2- الدول الغنية التي لا تعرف بعد مدى قوتها الاقتصادية (مرحلة التقدم)
3- الدول الغنية التي تعرف أنها غنية بالفعل (مرحلة الرخاء)
4- الدول الفقيرة التي لا تعرف مركزها المالي الضعيف (مرحلة التوهم)
بالطبع تتغير الظروف الاقتصادية بمرور الوقت. ولذلك لن تجد مرحلة تمامًا مثل مرحلة سابقة، ولكنها سير الدورة يكون واحداً، فالأمر أشبه بالتطور الإنساني، فمازال الإنسان واحداً منذ البداية، ولكن مختلف باختلاف الزمان والمكان. والدورة الاقتصادية طويلة المدى نفس الشيء.
نتعلم من الدروس التي عرضناها كيفية تعامل الشعوب مع الاقتصاد وكيفية عمل الاقتصاد في حد ذاته وكيفية تحول الدول من غنية إلى فقيرة والعكس، والمراحل التي يجب أن يمر بها كل اقتصاد والتي تتمثل في الدورة الاقتصادية طويلة المدى والتي تأخذ في الغالب 25 سنة في المتوسط. ويجب أن تمر الدورة الاقتصادية بهذه المراحل سواء طال الزمن أم قصر، وهذا ما كان يحدث وما سيحدث في المستقبل بكل تأكيد. لذلك من الممكن أن تتنبأ باقتصادات الدول في المستقبل عن طريق معرفة المرحلة الحالية وما هي المرحلة القادمة. ويبقى لك أن تعرف متى من الممكن أن تصل هذه الدولة إلى المرحلة القادمة بدراسة الاقتصاد وكيف يعمل وثقافات الشعوب وحجم إنتاج الدولة وحجم الدين العام والخاص بها.