في ظل استمرار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، دخل الصراع مرحلة جديدة، حيث بدأت الصين في توسيع نطاق المواجهة لتشمل قطاع الخدمات الأميركي، وهو أحد المجالات القليلة التي تسجل فيها الولايات المتحدة فائضًا تجاريًا كبيرًا مع الصين.
القطاعات المستهدفة تشمل السياحة، والخدمات القانونية، والاستشارية، والمالية، ما يعني أن الصين لم تعد تكتفي بالرد عبر التعريفات الجمركية، بل بدأت استخدام أدوات غير جمركية أكثر تأثيرًا على المدى المتوسط والبعيد. وقد وصف بعض الخبراء هذه الخطوة بأنها “إشارة واضحة من بكين لواشنطن بأن اللعبة باتت متبادلة”.
في المقابل، يواصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب الضغط على الاحتياطي الفيدرالي لخفض الفائدة، وذهب إلى حد التلويح بـ”إنهاء” رئيسه جيروم باول. ويأتي هذا التصعيد بعد خطاب باول الذي أشار فيه إلى أن الرسوم الجمركية التي تفرضها الإدارة تضع البنك في موقف حرج بين مكافحة التضخم وتحفيز النمو.
تداعيات محتملة وتوازنات دقيقة
- استهداف الخدمات — نقطة ضعف أميركية خفية: بالرغم من تركيز الإعلام على التعريفات الجمركية، فإن تحول الصين إلى استهداف قطاع الخدمات يمثل تحوّلًا استراتيجيًا. هذا القطاع لا يخضع لقيود جمركية مباشرة، ما يجعل أي تضييق عليه — سواء بتقنين التأشيرات، أو فرض تراخيص إضافية، أو تقييد العمليات المصرفية — شديد الإيلام على الشركات الأميركية العاملة في الصين.
- ترامب مقابل باول — السياسة النقدية تحت الضغط السياسي: التصريحات العلنية من ترامب بشأن “إنهاء” باول تشكل سابقة خطيرة في استقلالية البنك المركزي. هذه الضغوط تضع الفيدرالي أمام تحدٍّ حقيقي: إما الانصياع لسياسة الرئيس قصيرة المدى، أو الحفاظ على مصداقيته في محاربة التضخم بغض النظر عن التأثيرات السياسية.
- الصين تغيّر قواعد اللعبة: إعلان الصين أنها “انتهت” من الردود الجمركية، مع التحول إلى إجراءات غير جمركية، يُظهر ذكاءً تكتيكيًا. فهي تخرج نفسها من دائرة الاتهام بتأجيج الحرب التجارية، وتظهر بمظهر الطرف “الهادئ”، بينما تواصل الضغط الفعلي خلف الكواليس.
- السوق في حالة توتر دائم: التهديدات المتبادلة، وعدم اليقين بشأن السياسة النقدية، واستهداف قطاعات جديدة يزيد من التذبذب في الأسواق العالمية. الشركات الكبرى، خاصة في قطاع الخدمات، قد تعيد النظر في خططها الاستثمارية في الصين.
العالم يدخل فصلًا جديدًا من الحرب التجارية، أكثر تعقيدًا وأقل وضوحًا. الصين تلعب على المدى البعيد وتستهدف نقاط التفوق الأميركي، بينما ترامب يضغط لأهداف انتخابية واقتصادية آنية. في هذه البيئة، يبقى السوق هو الضحية الكبرى، مع احتمالات تصاعد التوترات في الأشهر المقبلة.