تتجه أنظار الأسواق العالمية إلى اجتماع بنك اليابان المركزي غدًا، وسط تزايد التكهنات بإمكانية الإقدام على خطوة جديدة برفع سعر الفائدة بربع نقطة مئوية لتصل الى اقل من 0.75% في تحول إضافي عن سياسة التيسير النقدي الشديد التي استمرت لعقود. هذه التوقعات لا تأتي من فراغ، بل تستند إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية والنقدية التي بات من الصعب تجاهلها.
أسباب تعزز احتمال رفع الفائدة
أول هذه العوامل يتمثل في استمرار الضغوط التضخمية داخل الاقتصاد الياباني، حيث استقرت معدلات التضخم فوق مستهدف البنك البالغ 2% لفترة أطول من المتوقع، مدفوعة بارتفاع أسعار الخدمات والغذاء، وليس فقط بعوامل مؤقتة مرتبطة بالطاقة أو الواردات. هذا الاستقرار النسبي للتضخم يمنح البنك ثقة أكبر بأن الاقتصاد خرج تدريجيًا من دوامة الانكماش السعري.
العامل الثاني يتعلق بـ نمو الأجور، إذ أظهرت مفاوضات الأجور الأخيرة (Shunto) زيادات ملحوظة في رواتب العاملين، ما يعزز فكرة انتقال التضخم من كونه تضخم تكاليف إلى تضخم مدفوع بالطلب، وهو شرط أساسي كان بنك اليابان ينتظره قبل تشديد سياسته النقدية.
كما أن الضعف الكبير في الين الياباني لعب دورًا محوريًا في تصاعد هذه التوقعات. فقد أدى تراجع الين إلى مستويات متدنية تاريخيًا إلى زيادة كلفة الواردات، ما فاقم الضغوط التضخمية وأثار قلق السلطات من الآثار السلبية على القوة الشرائية للأسر اليابانية، فضلًا عن المخاطر المرتبطة بالتقلبات الحادة في سوق العملات.
إضافة إلى ذلك، يسعى بنك اليابان إلى تقليص الفجوة الكبيرة في السياسة النقدية بينه وبين البنوك المركزية الكبرى، وعلى رأسها الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي، إذ إن استمرار هذه الفجوة يغذي تدفقات الكاري تريد ويضغط على الين بشكل مستمر.
سيناريوهات قرار البنك وتأثيره على الين
في حال رفع الفائدة فعليًا، حتى وإن كان بشكل محدود وأكد على امكانية استمرار رفع الفائدة، من المرجح أن يشهد الين الياباني ارتفاعًا فوريًا وقويًا أمام الدولار والعملات الرئيسية، مدعومًا بإغلاق مراكز بيع الين وتراجع شهية الكاري تريد. هذا السيناريو قد يدفع الين لتحقيق مكاسب سريعة على المدى القصير، خاصة إذا ترافق القرار مع نبرة متشددة توحي بمزيد من الرفع مستقبلاً.
أما في حال تثبيت الفائدة مع الإشارة إلى تشديد قادم، فقد يكون رد فعل الأسواق أكثر هدوءًا. في هذا السيناريو، قد نشهد دعمًا محدودًا للين، مع بقاء تحركاته رهينة لهجة البيان الصحفي وتصريحات المحافظ، خصوصًا فيما يتعلق بتقييم التضخم والأجور.
وفي السيناريو الثالث، إذا قرر البنك الإبقاء على الفائدة دون تغيير وبنبرة حذرة أو مائلة للتيسير، فإن ذلك قد يؤدي إلى تجدد الضغوط على الين، وربما عودته إلى مسار الضعف، مع ارتفاع احتمالات تدخل لفظي أو فعلي من السلطات اليابانية في سوق الصرف إذا تفاقمت التقلبات.
الخلاصة
قرار بنك اليابان غدًا يحمل أهمية استثنائية، ليس فقط للاقتصاد الياباني، بل للأسواق العالمية وسوق العملات تحديدًا. أي تحول إضافي في السياسة النقدية سيعيد رسم خريطة تدفقات رؤوس الأموال، وسيبقى الين في قلب الحدث، بين فرصة لالتقاط الأنفاس أو استمرار رحلة الضعف، تبعًا لما سيحمله البيان من إشارات تتجاوز مجرد قرار الفائدة نفسه.