المحاولة الأولى: ملحمة الأخوين هانت – يناير 1980
في مطلع عام 1980، عاشت أسواق المال واحدة من أكثر القصص إثارة في تاريخها مع الإخوة هانت، ورثة أحد أكبر أباطرة النفط الأمريكي. بدافع الخوف من التضخم وانهيار الدولار بعد فك ارتباطه بالذهب، قرروا أن يجعلوا الفضة ملاذهم الآمن. لم يكتفوا بالشراء التقليدي، بل راحوا يجمعون مئات ملايين الأونصات من السبائك والعقود الآجلة، حتى سيطروا تقريبًا على ثلث المعروض العالمي القابل للتداول.
ارتفع السعر من نحو 6 دولارات في 1979 إلى ما يقارب 50 دولارًا في يناير 1980، فيما اعتُبر آنذاك قفزة أسطورية. لكن تدخل السلطات الأمريكية وقواعد بورصة العقود الآجلة أنهت اللعبة سريعًا، لتنهار الأسعار في ما عُرف لاحقًا بـ “الخميس الفضي”، وتخسر عائلة هانت مليارات الدولارات في غضون أيام.
المحاولة الثانية: الأزمة المالية العالمية – أبريل 2011
بعد ثلاثة عقود، وتحديدًا في أبريل 2011، عادت الفضة لتقترب مجددًا من مستوى الخمسين دولارًا للأونصة، حيث سجلت حوالي 49.75 دولار. كانت الأزمة المالية العالمية ما تزال تلقي بظلالها، والقلق من أزمة ديون منطقة اليورو يتصاعد، فيما الدولار الأمريكي يضعف تحت ضغط سياسات التيسير الكمي.
تدفقت الأموال نحو المعادن الثمينة، فصعدت الفضة بقوة إلى مستويات قياسية جديدة. لكن سرعان ما عاد الضغط البيعي مع هدوء المخاوف وتراجع شهية المستثمرين، لتفشل المحاولة الثانية في تجاوز حاجز الخمسين.
المحاولة الثالثة: 2025 والعودة إلى الأضواء
اليوم، وللمرة الثالثة في التاريخ الحديث، تقترب أسعار الفضة مجددًا من حاجز الخمسين دولارًا. المحركات هذه المرة تختلف:
- تزايد الطلب الصناعي على الفضة في مجالات الطاقة الشمسية والتكنولوجيا.
- موجة إقبال استثماري بحثًا عن تحوّط أمام التضخم وتقلبات العملات.
- نقص المعروض العالمي مع تعثر بعض سلاسل التوريد.
- تصاعد المضاربات بعد اختراق مستويات مقاومة تاريخية.
ما وراء حاجز الخمسين… هل يكسره السوق؟
التجارب السابقة في 1980 و2011 أثبتت أن مستوى الخمسين دولارًا يمثل حاجزًا نفسيًا وتاريخيًا قويًا، وغالبًا ما يُقابل بموجات جني أرباح وتصحيحات حادة إذا تم بلوغه بسرعة كبيرة.
لكن على المدى الأطول، وفي ظل الظروف الراهنة من ارتفاع الطلب الصناعي وزيادة الاهتمام بالملاذات الآمنة، فإن تجاوز هذا الحاجز ليس مستبعدًا. بل قد يشكّل بداية لمرحلة سعرية جديدة إذا استمرت الظروف المواتية.