ارتفعت أسعار الذهب اليوم لتقترب أكثر نحو قمة ابريل الماضي عند 1365$ للاونصة
الارتفاعات تسجل للشهر الخامس على التوالي وأسرعها سجل في ديسمبر الماضي.
هناك عدة أسباب دفعت لارتفاع اسعار الذهب في الأشهر الأخيرة والتي تتلخص ضمن
المخاوف من التباطؤ الاقتصادي العالمي مما دفع المستثمرين لإعادة توزيع استثماراتهم من الأصول التي تحمل مخاطرة عالية كالأسهم إلى الأصول الأكثر استقراراً كالذهب
وأبرز العوامل التي دفعت لهذا التحول هي:
- الترقب بشأن مصير البريكست من قبل المستثمرين أدى للتحوط من إمكانية حدوث صدمة في أسواق المال في حال عدم تمكن بريطانيا تحقيق الخروج المنظم من الاتحاد الأوروبي وبالتالي انهيار للإسترليني وانكماش للاقتصاد الملكي يتوقع أن يعمق من تباطؤ اقتصاد المنطقة الأوروبية ككل
- توقعات تحقيق الشركات الأمريكية تراجع في الربحية للربع الأول من العام الجاري أيضاً ساهم في توزيع الاستثمارات من سوق الأسهم إلى المعادن الثمينة
- تباطؤ الاقتصاد الصيني من حيث انكماش القطاع الصناعي جراء تباطؤ الاقتصادات الناشئة العام الماضي وامتداد الآثار حتى الأشهر الأولى من هذا العام
- إقرار الفيدرالي الأمريكي أنه سينتظر أكثر بشأن رفع معدلات الفائدة يعطي التأكيدات بأن الخلل في الأداء الاقتصادي بات بارزاً وخاصة بعد الاغلاق الحكومي الذي ساعد أيضا على تسجيل أسوأ تراجع في مبيعات التجزئة الأساسية في 10 أعوام
- استقرار العوائد على السندات الأمريكية أوقف تدفق الأموال لسوق السندات الأمريكي ليتحول إلى غيرها من الأصول وخاصة في يناير وحتى الآن من فبراير لتساعد سوق الأسهم قليلا مع نصيب واضح لسوق الذهب
والآن إذا أردنا أن نضع إطار رقمي يفسر هذه العوامل فيمكن استخدام الرسم التالي للمقارنة بين نسب تغير حركة سعر الذهب وعوائد السندات الأمريكية لأجل عامين وأجل 10 أعوام
وذلك من بداية أكتوبر الماضي حيث ارتفعت عوائد اجل 10 أعوام إلى اعلى مستوى منذ عام 2011 عند 3.26% ثم هوت بعدها إلى مستويات 2.6%
من الرسم يتبين لنا أن خلال الفترة فقد ارتفع سعر اونصة الذهب حوالي 13% بينما تراجعت العوائد على تلك السندات بحوالي نفس النسبة في دلالة على الارتباط العكسي الذي حدث خلال تلك الفترة
ومع هذا الارتباط العكسي فإن مستقبل ارتفاعات الذهب تعتمد على بقاء عوائد السندات الأمريكية التي تعكس كل تلك العوامل عند مستوياتها الحالية
أي يجب أن لا تنتهي هذه المخاوف حتى لا تعود العوائد لمسارها الصاعد فتؤدي لهبوط أسعار الذهب
وأما إن ارتفعت هذه المخاوف وأدت لإحداث توقعات في الأسواق بأن على الفيدرالي خفض الفائدة فذلك سيدعم أسعار الذهب للارتفاع أكثر
المدى الزمني للكثير من عوامل الخوف التي ذكرناها قد لا يتعدى الربع الأول حيث ملف مفاوضات البريكست يتوقع أن ينتهي في نهاية مارس ما لم يتم تمديد موعد الخروج من قبل بريطانيا
أما ملف المفاوضات الأمريكي الصيني التجاري فخلال أسابيع يتوقع أن تصدر نتائجه أيضا
ولذا فإن الربع الأول حتى قرب نهايته قد يستمر به الذهب عند مستوياته الحالية المرتفعة إلى أن تتضح الصورة أكثر
فإذا حل ملف البريكست بطريقة ودية لأنشطة الاعمال فذلك يفيد اقتصاد أوروبا ككل وإذا حل ملف التجارة الصيني الأمريكي فذلك أيضا إيجابي لأسواق الأسهم وفي هذه الحالة فإن ذلك قد يهدد الارتفاعات الحالية للذهب
أما إذا تعقدت أمور هذه الملفات وأدت لتباطؤ أعمق للاقتصادات الكبرى فذلك يدعم بقاء ارتفاعات الذهب وربما امتدادها أكثر
ولكن يجب دائما أن نتذكر أن اعلى مستويات سجلت خلال الأعوام الماضية كانت
عند 1365$ للعام الماضي و1375$ لعام 2016 و1392$ لعام 2014 أي أنها لم تبلغ 1400$ منذ ذلك الحين
وقد أشرنا العام الماضي أيضا إلى ان هذه المستويات لم تكن مقبولة وتشكل خطر على الاسعار
ولذا فحتى لو كانت هناك عوامل تساعد على ارتفاع الذهب فقد يجد المستثمرون صعوبة في تقبل السعر عند تلك المستويات المرتفعة نسبة للأعوام الماضية.
إذا فإن السيناريو المتوقع للربع الأول وبدايات الربع الثاني هو أن يستمر الذهب مرتفعا وقد يصل إلى تلك المستويات التي ذكرناها
وأما للنصف الثاني ومع شرط حل الملفات الهامة ايجابياً للنمو فإن الذهب قد يعود للتراجع من تلك المستويات جراء تحول الأموال لسوق الأسهم مجدداً وتصفية مراكز شراء الذهب.