ارتفع مؤشر الدولار الأمريكي ليسجل مكاسب جديدة لم نشهدها منذ أسابيع، مدعومًا بغياب أي تلميح من الفدرالي حول خفض الفائدة في المستقبل القريب. هذا الموقف الحذر من قبل الاحتياطي الفدرالي أعطى الأسواق إشارة واضحة بأن السياسة النقدية ستظل متشددة في الوقت الحالي، ما وفر دعمًا إضافيًا للعملة الأمريكية.
بالطبع لا يمكن تبسيط الصورة بالكامل عند الحديث عن السياسات المالية والاقتصادية، لكن من الناحية التقنية تبدو الأمور أكثر وضوحًا. فقد تراجع اليورو دون مستوى 1.1430، ما يفتح المجال لمزيد من الانخفاضات إذا فشل في استعادة هذا المستوى. كذلك، يحاول الجنيه الإسترليني اختبار مستوى الدعم المهم الذي أشرنا إليه في تحليلنا السابق عند 1.3100، وهو ما يعكس استمرار الضغط البيعي على العملات الرئيسية أمام الدولار.
بشكل عام، وفي المدى القصير، يبدو أن الزخم يميل لصالح الدولار الأمريكي، خاصة بعد اختراقه قمم فنية مهمة وارتفاع مؤشره ليصل إلى مستوى 99.00، الأمر الذي قد يمهد لمزيد من المكاسب إذا استمرت المعطيات الاقتصادية في دعم هذا الاتجاه.
فهل سيستمر الدولار في الارتفاع؟
من الواضح أن خطاب جيروم باول أظهر تحفظًا كبيرًا في تقديم أي توقعات مستقبلية بشأن السياسة النقدية، إذ اكتفى بالحديث عن البيانات الفعلية الصادرة، دون التطرق إلى رؤية استباقية للأوضاع الاقتصادية القادمة. هذا يعكس نهجًا شديد الحذر من الفدرالي الأمريكي، الذي يبدو أنه لا يرغب في اتخاذ قرارات خفض الفائدة إلا بعد توافر بيانات مؤكدة تدعم هذا التوجه.
غياب الرؤية المستقبلية يضع العبء على الاقتصاديين داخل الفدرالي الأمريكي، الذين سيقدمون توقعاتهم ربع السنوية بناءً على مزيج من البيانات الكمية وسلوك المستهلكين والشركات، إضافة إلى العوامل الهيكلية مثل التغيرات السكانية، الابتكار، والسياسات الحكومية، فضلًا عن المتغيرات غير الاقتصادية مثل الأحداث الجيوسياسية أو المناخية. هذه التوقعات يتم إصدارها عادة في مارس، يونيو، سبتمبر، وديسمبر، ما يعني أن اجتماع سبتمبر القادم سيكون محوريًا في تحديد مسار السياسة النقدية.
حتى ذلك الحين، ومع استمرار صدور بيانات سوق العمل والتضخم والنمو، قد يبقى الدولار الأمريكي مدعومًا بالسياسة المتشددة الحالية. غير أن أي ضعف واضح في البيانات الاقتصادية خلال الأشهر المقبلة، أو إشارات من توقعات الفدرالي المستقبلية إلى تباطؤ اقتصادي ملموس، قد يعيد إحياء احتمالات خفض الفائدة ويدفع الدولار إلى التراجع مجددًا.
ماذا سيحدث للأسواق حتى اجتماع سبتمبر؟
خلال الفترة القادمة وحتى اجتماع الفدرالي في 17 سبتمبر، من المتوقع أن تشهد الأسواق تقلبات قوية بسبب التغير المستمر في توقعات خفض الفائدة. فعلى سبيل المثال، ارتفعت اليوم احتمالات تثبيت الفائدة في سبتمبر إلى 55% بعد أن كانت بالأمس لصالح خفض الفائدة بنسبة 63%. هذا التغير في توقعات المستثمرين ينعكس مباشرة على عوائد سندات الخزانة الأمريكية، وبالتالي على قوة الدولار وأسعار مختلف الأصول.
هذه التقلبات ستبقى حاضرة بقوة لأن الأسواق ستظل شديدة الحساسية لأي بيانات جديدة، خصوصًا بيانات سوق العمل الأمريكي يوم الجمعة، إضافة إلى بيانات التضخم والنمو التي ستصدر خلال الأسابيع المقبلة. كل قراءة جديدة ستعيد تشكيل توقعات السوق، مما يخلق حركة متذبذبة في أسواق الأسهم، السندات، والعملات.
إذن، حتى صدور التوقعات الاقتصادية في اجتماع سبتمبر، سيبقى الدولار قويًا نسبيًا إذا جاءت البيانات داعمة للتشديد، في حين أن أي إشارات على تباطؤ أو ضعف اقتصادي ستزيد من احتمالات خفض الفائدة وتؤدي إلى ضغوط على العملة الأمريكية وتذبذب في الأصول الأخرى.