في عالم الاستثمار والتداول، التحيز (Bias) هو ميل المستثمر لتفضيل فكرة أو استراتيجية معينة دون تقييم موضوعي للجوانب الأخرى. قد يكون هذا التحيز موجهًا نحو سهم معين، قطاع معين، أو حتى نهج استثماري مثل التداول اليومي أو الاستثمار طويل الأجل. التحيز يجعل المستثمر “أسيرًا” لرؤيته الضيقة، مما قد يؤدي إلى قرارات غير حكيمة، مثل التمسك باستثمار خاسر أو تجاهل فرص أفضل بسبب الانبهار بفكرة معينة. في عالم المال، حيث الحقائق والأرقام هي لغة النجاح، التحيز قد يكلفك أكثر من مجرد خسارة مالية؛ قد يكلفك فرصة التطور والنمو.
التحيز في سياق علم الاقتصاد
في كتابه فلسفة علم الاقتصاد، يناقش الدكتور جلال أمين كيف أن التحيز لعب دورًا محوريًا في نشأة علم الاقتصاد كعلم مستقل. يشرح أمين أن التحيز، كفكرة مجردة، يمكن أن يؤدي إلى مغالطات منطقية في مختلف مناحي الحياة، بما في ذلك الاستثمار. يرى أن الشعوب أو الأفراد الذين يتمسكون بأفكار متحيزة غالبًا ما يتخلفون عن الركب الحضاري أو الاقتصادي، لأن تحيزهم يمنعهم من رؤية الحقائق أو التكيف مع التغيرات. على سبيل المثال، المستثمر الذي يتحيز لشركات التكنولوجيا التقليدية قد يتجاهل الفرص في القطاعات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي أو الطاقة المتجددة، لمجرد أنها خارج منطقة راحته أو معرفته.
التحيز قد يكون محمودًا في بعض الأحيان، لأنه يساعد في بناء هوية المستثمر أو استراتيجيته الاستثمارية. على سبيل المثال، التحيز للاستثمار في الشركات ذات القيم الأخلاقية قد يكون إيجابيًا. لكن الإفراط في التحيز، مثل التمسك بشركة خاسرة بدافع العاطفة أو الإيمان الأعمى بقطاع معين، قد يمنع المستثمر من التطور ويجعله عالقًا في أفكار قديمة لا تناسب الواقع الاقتصادي المتغير.
لماذا لا يمكن أن نكون بلا تحيز؟
من المستحيل أن يكون المستثمر خاليًا تمامًا من التحيز، لأنه جزء من طبيعتنا البشرية. لكن المستثمر الذكي هو من يدرك هذا التحيز ويسعى لتقليل تأثيره. الطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي من خلال الانفتاح على الآراء والاستراتيجيات المختلفة. استمع إلى المحللين الذين يرون السوق من زاوية مختلفة، اقرأ عن تجارب المستثمرين الذين فشلوا في نفس النهج الذي تتبعه، وادرس أسباب فشلهم. هذه التجارب هي بمثابة مرآة تعكس نقاط الضعف في استراتيجيتك. بدون هذا الوعي، قد تجد نفسك تدور في حلقة مفرغة، غير قادر على تمييز ما إذا كنت على الطريق الصحيح أم لا.
كيف تحمي نفسك من التحيز كمستثمر؟
- تنويع وجهات النظر: لا تعتمد فقط على مصادر المعلومات التي تدعم رأيك. ابحث عن تحليلات تخالف توقعاتك، واستمع إلى المستثمرين ذوي الخبرة في مجالات مختلفة. على سبيل المثال، إذا كنت متحيزًا للأسهم المحلية، ابحث عن فرص في الأسواق العالمية.
- دراسة التاريخ: التاريخ الاقتصادي مليء بالدروس. انظر إلى انهيار الفقاعات المالية مثل فقاعة الدوت كوم أو الأزمة المالية لعام 2008. كثير من المستثمرين خسروا أموالهم بسبب تحيزهم لفكرة أن “السوق سيستمر في الصعود إلى الأبد”. دراسة هذه الأمثلة تساعدك على تجنب نفس الأخطاء.
- التشكيك المستمر: اسأل نفسك دائمًا: “ماذا لو كنت مخطئًا؟” هذا السؤال يدفعك لاختبار افتراضاتك والبحث عن أدلة مضادة. إذا كنت مقتنعًا بشراء سهم معين، ابحث عن أسباب قد تجعل هذا السهم يفشل.
- إدارة العواطف: التحيز غالبًا ما يكون عاطفيًا وليس عقلانيًا. إذا وجدت نفسك متعلقًا بشركة أو استراتيجية معينة، خذ خطوة للوراء وأعد تقييم قراراتك بناءً على الأرقام والحقائق.