الأسواق في حالة من الجمود النسبي… فهل هو الهدوء قبل العاصفة؟

تستمر الأسواق المالية العالمية في التحرك ضمن نطاقات ضيقة، حيث تتراوح التغيرات اليومية بين 0.25% و0.5% دون وجود اتجاه واضح نحو الصعود أو الهبوط. ورغم أن مؤشرات الأسهم الأمريكية لا تزال تسجل مستويات قياسية جديدة، إلا أن هذا الأداء الهادئ يخفي خلفه ترقّباً حذراً لاستحقاق بالغ الأهمية يتمثل في قرارات مرتقبة من البيت الأبيض بشأن الرسوم الجمركية على أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، وعلى رأسهم الاتحاد الأوروبي، كندا، المكسيك، والصين.

ولعل هذه القرارات قد تُغيّر حركة الأسواق بشكل سريع وهائل، كونها ستؤثر بشكل مباشر على توقعات النمو الاقتصادي والتضخم، سواء داخل الولايات المتحدة أو في الاقتصادات المرتبطة بها من شركاء تجاريين مثل الاتحاد الأوروبي، كندا، المكسيك، والصين، كما ستنعكس آثارها بشكل غير مباشر على بقية الأسواق العالمية. وبالتالي، فإن الحدث المنتظر ليس تفصيلاً عابراً، بل يمثل محوراً حاسماً في مسار الأسواق خلال النصف الثاني من العام.

وبرغم وجود فترة تمهّل تمتد حتى الأول من أغسطس المقبل لإقرار مثل هذه الاتفاقات أو اتخاذ قرارات بشأن الرسوم، إلا أن عنصر المفاجأة لا يزال قائماً، ما يرفع منسوب الترقب والقلق لدى المستثمرين. فقد يتم الإعلان عن اتفاق تجاري مفاجئ يتضمن مزايا لبعض القطاعات لكنه قد يفرض تكاليف وضغوطاً على قطاعات أخرى، أو على العكس، قد تتجه الأمور نحو تصعيد تجاري وحرب جمركية شاملة، ما سيؤدي إلى اضطرابات كبيرة في الأسواق المالية وسلاسل الإمداد العالمية.

ولذلك، لا يمكن في الوقت الراهن الاعتماد على أي أسلوب تحليلي تقليدي لفهم سلوك الأسواق، سواء كان ذلك عبر التحليل الفني القائم على الاتجاهات ومستويات الدعم والمقاومة، أو عبر التحليل الاقتصادي الكلي المبني على المؤشرات الأساسية. فغياب المعطيات الحاسمة، وتحديداً ما يتعلق بمستقبل السياسات التجارية الأمريكية، يجعل أي توقع أو تحليل عرضة للتغير المفاجئ، بل وربما يكون مضللاً في ظل الضبابية الراهنة.

الأسواق حالياً لا تتفاعل مع الأرقام أو الرسوم البيانية كما اعتادت، وإنما تتعامل بحذر وترقب بانتظار حدث سياسي – اقتصادي من العيار الثقيل. وبالتالي، فإن الرؤية لن تتضح إلا بعد صدور قرار رسمي وواضح بشأن الاتفاقات التجارية أو الرسوم الجمركية. عندها فقط، يمكن قراءة المشهد بدقة وفهم ما إذا كانت الأسواق ستتجه نحو مرحلة جديدة من النمو والتفاؤل، أم نحو موجة من التصعيد والمخاطر تؤثر في الثقة والاستثمار وتعيد تشكيل خارطة الأسواق العالمية.

حتى ذلك الحين، تبقى الحذر، المرونة، ومتابعة الأخبار الجيوسياسية لحظة بلحظة هي الأسلحة الأهم للمستثمرين والمحللين، بانتظار ما ستكشفه الأيام القادمة.

Related posts

مستجدات الحرب التجارية الأمريكية، ضغوط متسارعة ومهلة نهائية حاسمة

Nvidia: أول شركة في التاريخ تتجاوز 4 تريليونات دولار بفضل ثورة الذكاء الاصطناعي

مفاوضات جمركية بين أميركا وأوروبا تقترب من اتفاق أولي… لكن الخطر التجاري لا يزال قائمًا مع شركاء آخرين