Table of Contents
بات من الواضح خلال الأسبوعين الأخيرين تحديدًا أن الأسواق خائفة جدًا وتتوقع حدوث أمرٍ سيّء جدًا اقتصاديًا في الفترة القادمة. فحركة الأسعار عبر مختلف الأصول لا توحي بطمأنينة، بل بعاصفة تقترب من الأفق.
الذهب: ملاذ الخوف يرتفع بقوة
ارتفعت أسعار الذهب خلال أول أسبوعين من شهر أكتوبر الحالي بحوالي 15%، وهو ما يشكل تقريبًا نصف الارتفاعات المسجّلة خلال الشهرين والنصف الماضيين التي بلغت نحو 35%. هذه القفزة الحادة في فترة زمنية قصيرة تعكس طلبًا متسارعًا على التحوّط من المخاطر، إذ يتجه المستثمرون نحو المعدن الأصفر كلما تصاعدت المخاوف من ركود اقتصادي أو اضطراب مالي عالمي.
الفضة: ارتفاعات تتجاوز التوقعات
أما الفضة، فقد تجاوزت مستويات 53 دولارًا للأونصة، واستقرت فوق 50$ بشكلٍ ملحوظ، في إشارة إلى أن التحركات لا تقتصر على الذهب وحده، بل تمتد إلى كامل سوق المعادن الثمينة. عادةً ما تتفاعل الفضة بشكل أقوى من الذهب في فترات القلق، نظرًا لكونها أكثر تقلبًا وحساسية لتوقعات الطلب الصناعي. ومع ذلك، فإن استمرار ارتفاعها رغم ضعف مؤشرات النشاط الصناعي العالمي يضيف بُعدًا من الغموض إلى المشهد الحالي.
النفط: مؤشرات ركود تتجلى في الأسعار
في المقابل، يبدو أن سوق الطاقة يروي قصة مختلفة ولكنها تصب في الاتجاه نفسه. أسعار النفط تتداول حاليًا قرب أدنى مستوياتها منذ أزمة كوفيد-19، ما يعكس توقعات بانخفاض الطلب العالمي على الطاقة نتيجة تباطؤ اقتصادي محتمل أو ركودٍ قادم. ضعف النفط بهذا الشكل، رغم التوترات الجيوسياسية في بعض المناطق، يوحي بأن الأسواق تضع السيناريو الأسوأ في الحسبان.
قراءة في الرسائل المزدوجة
عندما ترتفع المعادن الثمينة بهذه الوتيرة بينما تهبط أسعار النفط، فغالبًا ما يكون التفسير واحدًا: الأسواق تستعد لصدمة اقتصادية أو مالية وشيكة. ارتفاع الذهب والفضة يعكس خوفًا، بينما هبوط النفط يشير إلى توقعات بانكماش الطلب والإنتاج. ومع أن البيانات الاقتصادية الحالية لم تُظهر بعد تدهورًا واضحًا، فإن الأسواق – كما جرت العادة – تتحرك قبل وقوع الأحداث الكبرى.
البيانات الاقتصادية الغائبة تزيد الغموض
يُضاف إلى حالة القلق السائدة أن الإغلاق الحكومي الأمريكي يمنع حاليًا صدور البيانات الاقتصادية الرسمية، وهو ما يُقلق الأسواق بطبيعة الحال. لكنّ هذا القلق لا يصل إلى مستوى الذعر، إذ أن تأثير الإغلاق الحكومي على الاقتصاد الأمريكي عادةً ما يكون محدودًا ومؤقتًا. ومع ذلك، فإن غياب البيانات يجعل الأسواق تتخبط في الضباب، فتزداد حالة الخوف الغامضة التي تسيطر على المتداولين والمستثمرين.
البيانات الاقتصادية الأخيرة متباينة بشدة؛ بعضها جيد، وبعضها ضعيف، وتختلف النتائج من اقتصاد إلى آخر تبعًا لعوامل مثل معدلات الفائدة، وحجم التحفيز النقدي، وبرامج الإنفاق الحكومية. لكنها – حتى الآن – ليست كارثية بالقدر الذي يبرّر الارتفاعات القياسية في أسعار الذهب أو الاندفاع الصاروخي في سوق المعادن الثمينة، ولا حتى الانخفاضات الكبيرة في أسعار النفط التي دفعت خام برنت من التراجع دون مستوى 60 دولارًا للبرميل.
ومع كل ذلك، ثمة أمور مريبة تدور في الأسواق. فمؤشر الدولار الأمريكي مستقر تقريبًا دون أي تراجعات تُذكر، مما يعني أن صعود الأصول المقومة بالدولار لا يجد تفسيرًا واضحًا في ضعف العملة الأمريكية. كما أن التقلبات الحادة في سوق الأسهم الأمريكية خلال جلسات التداول اليومية تشير إلى احتمال فقدان السيطرة في أي لحظة، بما قد يؤدي إلى انهيار مفاجئ في أسواق الأسهم إذا ما استمر هذا التوتر الكامن دون مخرج واضح.