هزت الانتفاضة الإيطالية الشعبية التي ترجمت بفوز مجموعة من الأحزاب المعارضة للخنوع التقشفي وسلطة مجموعة اليورو عليها ثقة المستثمرين حول العالم
حيث تكاتفت تلك الأحزاب وشكلت جبهة قوية لفرض التغيير الذي يرون أنه مخلص للشعب من طاحونة التقشف
فلا شك أن المفاجأة كانت أن حزبين رئيسيين هما حزب الخمس نجوم وحزب ليجا شكلا معا فرصة للخروج من تلك المعاناة الشعبية
حيث ارادا تعيين وزير للاقتصاد مناهض للعملة الأوروبية الموحدة اليورو ولكنهما لم يفلحا بعدما رفض الرئيس الإيطالي ذلك وقرر تشكيل حكومة مؤقتة تمهيدا لإجراء انتخابات جديدة ولإقرار الموازنة العامة
ولكن يبدو من ارتفاع أصوات الشعب التي وجهت لتلك الأحزاب أن هناك انقسام شعبي حول قضايا هامة كالبقاء في الاتحاد الأوروبي أو حتى الاستمرار باستخدام اليورو كعملة
لا شك أن الشعب يريد ارتفاع انفاق الحكومة لمساعدة الطبقة ذات الدخل المنخفض ويريد خفض سن التقاعد وهو ما تعول عليه وتعد به هذه الأحزاب لكسب الأصوات
هذه الوعود وسعت شريحة المؤيدين لها وشكلت أول ضربة للنظام الاقتصادي والمالي الإيطالي الحالي بفرض إعادة للانتخابات
وطالما أن الأثر بات بارزا لهذا الحد فلا يجب أن نستبعد أن نستيقظ على أخبار خروج إيطاليا من الاتحاد الأوروبي أو اعتمادها عدم الانصياع لقرارات البنك المركزي هناك
اقتصاد إيطاليا عانى خلال العقد الماضي بشكل بارز جداً ولاشك أن إجراءات التقشف ساعدت في ذلك ولكن لم يكن هناك بديل عنها
حيث بلغت نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي لعام 2017 مستوى 131.8% عند 2.3 تريليون يورو
ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي لعام 2017 مستوى 2.11 تريليون دولار امريكي بنسبة نمو سنوية هشة عند 1.57% وهذا الرقم الضعيف هو أفضل معدل نمو منذ عام 2010
حيث خلال الـ 10 أعوام الماضية انكمش الاقتصاد في 4 سنوات كان أعمقها عام 2009 حين اشتداد ازمة الرهن العقاري الأمريكية
أي أن الاقتصاد الإيطالي ترنح بين نمو في 6 أعوام وانكماش في 4 أعوام مما يدل على هشاشته
التصنيف الائتماني لإيطاليا يتوقع أن يتراجع قريبا أما حاليا فالنظرة من موديز تضعه تحت المراقبة مع تصنيف عند Baa2 أما نظرة فيتش و S&P فهي مستقرة مع تصنيف عند BBB
حيث أن الحكومة الإيطالية مطالبة بسداد 233 مليار يورو في عام 2019 وما بين 155 إلى 188 مليار يورو كل عام من 2020 حتى 2024
أما معدل دين القطاع الخاص إلى الناتج المحلي الإجمالي يبلغ 172% وهو معدل مرتفع
والتقارير تشير إلى وجود تريليون يورو من الديون التي قد تصبح متعثرة في ايطاليا
وفي ظل هذا النمو الهش للاقتصاد وارتفاع الديون واستمرار إجراءات التقشف فقد تأثر سوق الأسهم والسندات
فقد شهد مؤشر FTSE MIB للاسهم الإيطالية أداء هزيلا خلال تلك السنوات حيث منذ أعلى مستوى سجله في عام 2007 قبل الازمة العالمية وحتى اليوم ما يزال المؤشر متراجعاً بنسبة 51%
حيث بعد هبوطه الحاد من تلك القمة حتى قاع عام 2009 بلغت الخسائر 72% وانتقلت حركته لتصبح افقية دون ارتفاعات هامة
أما عوائد السندات السيادية لأجل عامين فقد تراجعت خلال السنوات الماضية تدريجياً دون الصفر مع خفض المركزي الأوروبي لمعدلات الفائدة واستمرار نمو متواضع للاقتصاد واستمرار التقشف
ولكنه ومنذ الأزمة الأخيرة ومع ارتفاع احتمالية التعثر بسداد الديون فإن البيع المكثف لهذه السندات قد دفع عوائدها للارتفاع من مستويات الصفر في منتصف الشهر الجاري إلى معدل بلغ اليوم 2.731% هو الأعلى في 4 سنوات ونصف
وكانت الصورة اليوم حادة حيث تراجعت اسهم البنوك الإيطالية و تراجع سهم UniCredit بمعدل 5.61% عند 13.97 يورو
وتراجع سهم Intesa Sanpaolo بمعدل 4.09% عند 2.448 يورو
وتراجع مؤشر FTSE MIB بمعدل 2.6%
ولبيان حجم الثقة الضعيفة التي يعطيها المستثمر لهذا المؤشر فإن نسبة سعر السهم إلى الايراد P/E تقع عند 10.7 والفرق بارز بينها وبين مؤشرات الأسهم الأمريكية التي تتجاوز الـ 20
بالرغم من إجراءات التقشف فقد استمر العجز في الموازنة الحكومية حيث سجلت في عام 2017 عجزاً بمعدل 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي بالرغم من كونه أفضل من معدلات العجز في السنوات الماضية
ولكنه أيضا قد يتسع بسرعة في حال إزالة عدد من الإجراءات التقشفية ورفع الانفاق الحكومي وهو ما يؤدي لارتفاع الدين العام وبالتالي ارتفاع مخاطر التعثر الذي يخفض من ثقة المستثمرين ويفاقم من خسائرهم
من تلك الأرقام يتضح أن الاقتصاد الإيطالي أضاع عقدا من الزمن محاولاً خفض العجز في الميزانية العامة مسجلاً بذلك أداء هزيل في مستويات النمو الاقتصادي وثقة لم تسترد كامل قوتها في أسهم شركاته
الأمر الذي قد يؤدي لانتفاضة شعبية لتغير هذا الوضع والخروج من عباءة المظلة الأوروبية مهما كلف الأمر.
نورس حافظ
كبير استراتيجي الأسواق