في ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة والتصريحات التي تهدد باندلاع حرب نووية بين الناتو وروسيا، شهدت أسعار الذهب ارتفاعاً ملحوظاً في الأيام الأخيرة، متجاوزة العوامل الأخرى التي قد تدفع عادة إلى تراجع قيمته.
هذه الزيادة في الأسعار دفعت بالذهب للوصول إلى مستويات قياسية بالقرب من 2200 دولار للأونصة، وهو مستوى لم يسبق له مثيل.
إن هذه القفزة في أسعار الذهب تأتي في وقت تشهد فيه بعض صناديق الاستثمار الكبرى، التي تستثمر في الذهب على مستوى العالم، تراجعاً في حيازاتها.
على سبيل المثال، بينما كانت هذه الصناديق تحوز على ما يقرب من 3800 طن من الذهب في منتصف عام 2022، فقد أظهرت البيانات الأخيرة أن حيازاتها قد انخفضت إلى حوالي 3100 طن.
ومع ذلك، يُعد هذا التراجع كبيراً، لكنه لا يزال أعلى من المستويات التي كانت عليها قبل أزمة كوفيد-19، والتي كانت حوالي 2500 طن في مايو لعام 2019.
يُعزى الارتفاع الحاد في أسعار الذهب إلى عدة عوامل، من بينها العوامل الجيوسياسية المذكورة أعلاه، بالإضافة إلى بعض التراجع الطفيف في أداء الاقتصاد الأمريكي.
على وجه الخصوص، تراجع وتيرة نمو القطاع الخدمي، واستمرار القطاع الصناعي في عدة اقتصادات كبرى بالانكماش لفترة مطولة.
هذه الظروف دفعت المستثمرين للتحوط في استثماراتهم، مفضلين الذهب كوسيلة للحماية من التدهور السريع للوضع الاقتصادي.
هذا التوجه يبرز بوضوح الدور الذي يلعبه الذهب كملاذ آمن في أوقات الأزمات وعدم اليقين، وخاصة في ضوء الأحداث الجيوسياسية الراهنة والتحديات الاقتصادية التي تواجه العالم.
وضمن التطور الإيجابي الذي يبعث على الأمل بشأن الاقتصاد العالمي، حيث سجل مؤشر مدراء المشتريات العالمي لشهر فبراير 52.1، ما يعد أعلى مستوى له منذ منتصف العام الماضي 2023.
فإن هناك بعض التحديات الاقتصادية، مثل إشارات الضعف في القطاع الخدمي الأمريكي والارتفاع البسيط في معدل البطالة هناك من مستوى 3.7% إلى 3.9% الذي أضعف الدولار مؤخرا.
كان تراجع قيمة الدولار في الأيام الأخيرة واحدًا من العوامل التي ساهمت في دعم أسعار الذهب وارتفاعها.
التراجع في قيمة الدولار يجعل الذهب، الذي يُتداول بالدولار، أرخص وبالتالي أكثر جاذبية للمستثمرين الذين يحملون عملات أخرى.
مع الأخذ في الاعتبار هذه الديناميكيات، يظل التركيز الرئيسي على العوامل الجيوسياسية كأهم ما يجب مراقبته لتداول الذهب.
وبالطبع، تبقى حالة الاقتصاد العالمي عاملًا مهمًا جدًا في تحديد مستقبل مسار أسعار الذهب، خصوصًا أن البنوك المركزية حول العالم لم تقم حتى الآن بخفض معدلات الفائدة.
استمرارية معدلات الفائدة العالية يمكن أن تؤثر على الطلب الاستثماري على الذهب، ولكن في ظل الظروف الحالية، يبدو أن المستثمرين يفضلون الحذر والتحوط عبر الاستثمار في الذهب.