قبل أن نبدأ في عرض أفضل الفرص على العملات بشكل عام في العام الجديد 2019 يجب أن نعرف أن من الناحية الاقتصادية ما يؤثر على العملات هو الحالة العامة للاقتصاد (قوي أم ضعيف). وذلك لأن الاقتصاد القوي هو في الغالب صاحب العملة القوية بسبب ازدياد الطلب عليها ومن ثم ارتفاع قيمتها. ويزداد الطلب على عملات الدول القوية بسبب جذب الاستثمارات الأجنبية وزيادة كمية التدفقات النقدية للدولة.
الدولار الأمريكي:
الولايات المتحدة الآن في موقف اقتصادي محير لكثير من المستثمرين، فالحالة العامة هي الحذر من العامين القادمين كما ذكرنا الأسباب في مقالات سابقة، ولكن بشكل عام الحل الوحيد الآن أمام الولايات المتحدة الأمريكية للخروج من تلك الأزمة هي هبوط الدولار الأمريكي. السياسة الأمريكية الآن مشددة من قبل البنك الفيدرالي بعد رفع معدلات الفائدة، ولكن مع وجود معدلات نمو قوية كما شهدنا في 2018 فيجب أن يقابل عمليات الإنتاج تلك مزيد من الطلب، وهو ما يدعم فكرة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بأن الدولار الأمريكي يجب أن يهبط حتى تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية زيادة الصادرات وجذب مزيد من الطلب على السلع والمنتجات الأمريكية من خارج الدولة، إلى جانب زيادة عدد الاستثمارات الأجنبية للولايات المتحدة أيضاً، وهذه حالة تتطلب دولارًا أضعف من الموجود حالياً.
لاحظ أن البنك الفيدرالي لم يقوم برفع معدلات الفائدة بسبب انخفاض قيمة الدولار، وإنما كان الهدف هو تهدئة الاقتصاد الأمريكي والذي وصل إلى مستويات عالية جداً من النمو، وهو ما يعني أن الدولار الأمريكي من الأساس كان قويًا ومن المحتمل أن يشهد ضغوط بيعية مرحب بها من الولايات المتحدة الأمريكية حتى لا يدخل الاقتصاد في مرحلة الانكماش.
الأسواق الناشئة ( Emerging markets )
إذا كنا نتحدث عن دولار ضعيف وتباطؤ في معدلات النمو للاقتصاد العالمي، فهذا يعني أن الطريق الوحيد أمام رؤوس أموال المستثمرين هو الأسواق الناشئة كالبرازيل والمكسيك وكوريا الجنوبية، إلى جانب باقي الأسواق الناشئة الأخرى، باستثناء الصين بالطبع لاحتمالية هبوط معدلات النمو بها بسبب الحرب التجارية، وهو ما يعني أن العملة الصينية لن تكون قوية بما يكفي بالنسبة للمستثمرين، وذلك على الرغم من أن اليوان الصيني بالفعل قد حقق مكاسب في الفترات الأخيرة أمام الدولار الأمريكي بسبب وقف الحكومة الصينية عمليات الشراء القوية للسندات الأمريكية.
اليورو أمام الدولار أيضاً من المحتمل أن يشهد صعودًا في 2019 نظراً إلى أن البنك المركزي الأوروبي هو الآخر يريد دفع العملة أمام الدولار حتى يتوخى مخاطر التباطؤ الاقتصادي المحتمل. ولذلك من الممكن أن يشهد صعودًا ولكن الأفضل هي عملات الأسواق الناشئة أمام الدولار الأمريكي، فهذا هو الرهان الأفضل حالياً بالنسبة للمستثمرين.
هذا كله إلى جانب توقع البنك الدولي لزيادة معدلات النمو للاقتصادات الناشئة، فهذا يكمن في زيادة الطلب على تلك العملات بسبب هروب رؤوس الأموال إلى هذه الدول بسبب مخاطر الاستثمار في الدول ذات الاقتصادات الكبيرة. وبالفعل قد حققت بعض العملات مثل البيسو المكسيكي واليوان الصيني والليرة التركية والكرونة النرويجية بعض المكاسب أمام الدولار الأمريكي في الآونة الأخيرة.
الذهب:
أما المعدن الأصفر فمازال يشهد ارتفاعات قوية كما توقعنا من قبل بسبب هروب المستثمرين إلى الملاذات الآمنة في الوقت الحالي لحين اتضاح الرؤية على الساحة العالمية. وهذا أمر طبيعي بسبب هبوط أسواق الأسهم العالمية مع نهاية العام الماضي 2018، ومازالت هناك احتمالات أعلى على صعود أسعار الذهب طالما لم تظهر أو تتضح الرؤية بالنسبة للمستثمرين.
الأهم من المراهنة ضد الدولار الأمريكي هو اختيار أفضل العملات التي تقابله، فكما ذكرنا أن هناك ضغوط على بعض الاقتصادات الكبرى من التخوف الناجم عن احتمالية تباطؤ الاقتصاد العالمي، وهذا يعني المراهنة على الأسواق الناشئة أمام الدولار كأفضل اختيار. أما العملات الرئيسية فبها بعض المخاطر وتتمثل في:
1- الجنيه الإسترليني يقابل مشكلات البريكسيت ومازالت الضغوط البيعية عليه قوية
2- اليورو أيضاً ضعيف إلى الآن بسبب الأحداث السياسية لمنطقة اليورو، إلى جانب احتمالات تباطؤ الاقتصاد العالمي
3- الصين كما ذكرنا بها مشاكل خاصة بالصادرات والناتجة عن الحرب التجارية
بشكل عام فإن الدول التي تعتمد على الصادرات في قوة عملاتها من المحتمل أن تشهد مشاكل اقتصادية، وكذلك حال الدول التي يعتمد اقتصادها على السلع ( commodity based economy ) كنتيجة للتباطؤ المحتمل.
الدول التي تعتمد على النفط أيضاً مثل دول الخليج تعد من الدول الناشئة، ولكنها دول تعتمد على البترول كمصدر دخل أساسي، وهو ما يعني احتمالية معاناة تلك الدول في العام الجديد بسبب هبوط أسعار البترول بقوة.
أما عن أسواق الأسهم فهي ليست الاختيار الأفضل حالياً، نتيجة لاحتمالات تأثر أرباح الشركات الأمريكية بتباطؤ معدلات النمو والتضخم الذي قد ينتج عن رفع التعريفات الجمركية، ومن الممكن أن يأخذنا إلى الانكماش بعد ذلك إذا زاد القلق عن المستوى الحالي. في تلك اللحظة سيشعر المواطن الأمريكي أنه يجب أن يدخر مزيد من الأموال بعد رفع الفائدة، وهو ما سيؤثر على الإنفاق الاستهلاكي (الطلب) ومن ثم من الممكن أن نشهد هبوطًا في سوق السلع أيضاً مع سوق الأسهم.