تواجه الولايات المتحدة مرة أخرى خطر الإغلاق الحكومي، حيث يجد مجلس الشيوخ نفسه أمام خيارين صعبين: إقرار مشروع قانون يعتقد الديمقراطيون أنه يمنح الرئيس السابق دونالد ترامب صلاحيات واسعة في قرارات الإنفاق، أو رفضه والمخاطرة بانقطاع التمويل الحكومي.
وقد سعى الكونغرس خلال الأشهر الماضية لتمرير مشاريع قوانين الاعتمادات السنوية لتمويل الحكومة، لكنه اضطر إلى الاعتماد على تمديدات قصيرة الأجل للحفاظ على استمرار العمليات الفيدرالية. ومع اقتراب نهاية المهلة الحالية، يواجه المشرعون تحديًا جديدًا في إيجاد حل يمنع توقف الخدمات الحكومية.
الانقسام السياسي وتأثيره على القرار
أكد زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، أنه لن يسمح بإغلاق الحكومة، محذرًا من الفوضى التي قد تترتب على ذلك، خاصة مع وجود ترامب وإيلون ماسك في المشهد السياسي. وصرح شومر قائلًا: “الإغلاق سيسمح لـ DOGE بالانطلاق إلى أقصى سرعة”، في إشارة ساخرة إلى وزارة الكفاءة الحكومية بقيادة ماسك، مشيرًا إلى أن هذا الوضع قد يؤدي إلى تعطيل الخدمات الحكومية بشكل أسرع.
على الجانب الآخر، يصر الجمهوريون في مجلس النواب على تمرير مشروع قانون التمويل الحالي دون تقديم تنازلات إضافية للديمقراطيين. واعتبر زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، جون ثون، أن الديمقراطيين هم المسؤولون عن أي إغلاق محتمل، مؤكدًا أن عليهم اتخاذ القرار بين دعم التمويل الحكومي أو التسبب في شلل إداري.
تفاصيل التشريع المقترح
يقترح التشريع الحالي تمويل الحكومة الفيدرالية حتى نهاية سبتمبر، مع خفض الإنفاق غير الدفاعي بنحو 13 مليار دولار وزيادة الإنفاق الدفاعي بنحو 6 مليارات دولار، وهي تغييرات طفيفة مقارنة بإجمالي إنفاق يقترب من 1.7 تريليون دولار. وقد أقر مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون مشروع القانون، مما وضع مجلس الشيوخ في موقف حرج بين قبوله كما هو أو المخاطرة بالإغلاق.
الاختبار الحاسم والتوقعات
سيكون التصويت الإجرائي يوم الجمعة اختبارًا حاسمًا لمعرفة ما إذا كان مشروع القانون سيحصل على 60 صوتًا لازمة لتمريره. يحتاج الجمهوريون، الذين يسيطرون على مجلس الشيوخ بأغلبية 53-47، إلى دعم ثمانية ديمقراطيين على الأقل لضمان تمرير الحزمة التمويلية. ومع وجود انقسامات داخل الحزب الديمقراطي بين من يريدون التصعيد ضد أجندة ترامب ومن يسعون لتجنب الإغلاق، يبقى المشهد ضبابيًا حتى اللحظة الأخيرة.
تأثير أزمة الإغلاق الحكومي على الأسواق المالية الأمريكية
رغم المخاوف من الإغلاق الحكومي، ارتفعت مؤشرات الأسهم الأمريكية اليوم بأكثر من 1%، في حين استقر مؤشر الدولار الأمريكي عند 103.30، مما يعكس تفاعل الأسواق مع التطورات السياسية بحذر دون ذعر.
التأثير التاريخي للإغلاق الحكومي على الأسواق
بشكل عام، لا يكون للإغلاق الحكومي تأثير كبير أو طويل الأمد على الاقتصاد الأمريكي، حيث يتم عادةً التوصل إلى حلول سريعة لاستئناف عمل الحكومة. ويظل التأثير الأكبر محصورًا في القطاعات المرتبطة مباشرة بالإنفاق الحكومي، بينما تحافظ الأسواق المالية على تركيزها الأساسي على البيانات الاقتصادية وأداء الاقتصاد.
التفاعل الحالي للأسواق
يرى المستثمرون أن التأثير الأكبر يأتي من البيانات الاقتصادية وليس من الإغلاق بحد ذاته، إذ إن سياسات الجمهوريين غالبًا ما تركز على خفض الإنفاق الحكومي، وهو ما قد يكون له تأثير سلبي على الاقتصاد على المدى البعيد. لكن في الوقت ذاته، التوقعات بتمرير حل وسط قد تدعم الأسواق، ما يخلق حالة من التقلب بين المخاوف والآمال.
في ظل استقرار الدولار وارتفاع الأسهم، يبدو أن الأسواق تراهن على تسوية سريعة للأزمة، مع استمرار تركيزها على البيانات الاقتصادية باعتبارها المحرك الأساسي لحركة الأسواق في المرحلة القادمة.
يستمر الجدل حول كيفية تحقيق التوازن بين المصالح السياسية والاحتياجات الحكومية، وسط تحذيرات من تداعيات الإغلاق على الاقتصاد والخدمات العامة. ومع احتدام الصراع بين الحزبين، يبقى السؤال: هل ستنجح التسويات السياسية في تفادي الأزمة، أم أن الولايات المتحدة ستدخل مجددًا في دوامة الإغلاق الحكومي؟