تضخم الشهر الماضي يمنح الاحتياطي الفيدرالي مساحة لالتقاط الأنفاس 
جاء تقرير التضخم لشهر سبتمبر أفضل من التوقعات، في مفاجأة إيجابية منحت صناع السياسة النقدية في الاحتياطي الفيدرالي بعض الوقت الإضافي للتفكير قبل اتخاذ قرار جديد بشأن خفض أسعار الفائدة. هذا التراجع النسبي في الضغوط التضخمية كان بالضبط ما ينتظره الفيدرالي والمستثمرون: انخفاض طفيف في أسعار الإيجارات، وتباطؤ في الخدمات الأساسية، وتراجع معتدل في بعض السلع الرئيسية. كل ذلك منح الأسواق شعورًا بالراحة، على الأقل مؤقتًا، بعد أشهر من التقلبات والتوقعات المتوترة.
البيانات الاقتصادية على وشك التوقف 
لكن التفاؤل لم يستمر طويلًا، فمع استمرار إغلاق الحكومة الأمريكية وتوقف إصدار التقارير الرسمية، أصبح الفيدرالي يواجه صعوبة متزايدة في قراءة الوضع الاقتصادي الحقيقي. وأوضح كبير الاقتصاديين في شركة RSM، جو بروسويلاس، أن هذا التقرير ربما يكون آخر البيانات الموثوقة التي يمكن الاعتماد عليها حتى مطلع الربيع المقبل. بكلماته المباشرة: “الفيدرالي الآن يطير أعمى.” أي أنه سيضطر لاتخاذ قراراته المقبلة بناءً على تقديرات غير دقيقة وافتراضات أكثر من كونها حقائق.
جودة البيانات في خطر 
بروسويلاس حذّر من أن توقف جمع البيانات الحكومية سيؤدي إلى فجوة في دقة الأرقام المستقبلية حتى بعد انتهاء الإغلاق. فوزارة العمل الأمريكية ستضطر إلى “تخمين” الكثير من البيانات التي تعتمد عليها في تقاريرها الشهرية. هذا يعني أن الفيدرالي سيعمل في بيئة مليئة بعدم اليقين، ما قد يدفعه إلى التريث في قراراته. فالمحللون يرون أن هذه المرحلة ستشهد تقديرات أكثر من كونها بيانات فعلية، وهو ما يقلل من مصداقية أي استنتاجات تُبنى على الأرقام القادمة.
تحذيرات من البنوك الكبرى 
البنوك الأمريكية الكبرى لم تتأخر في إطلاق تحذيراتها أيضًا. فقد أصدرت بنك أوف أمريكا تقريرًا بعنوان “لا تغيّر المسار وأنت تطير أعمى”، في إشارة إلى ضرورة الحذر من أي تحركات جذرية في السياسة النقدية. ويتوقع البنك أن يقوم الفيدرالي بخفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس الأسبوع القادم، لكن دون إصدار أي توجيهات قوية للأسواق بسبب نقص البيانات الرسمية. في المقابل، يرى العديد من المستثمرين أن التريث هو الخيار الأفضل في الوقت الحالي.
بوادر تأثير الرسوم الجمركية تظهر في الأسعار 
رغم أن تقرير سبتمبر بدا مطمئنًا في المجمل، فإن هناك إشارات مبكرة على أن الرسوم الجمركية بدأت تتسلل إلى الأسعار تدريجيًا. فقد شهدت فئات مثل الملابس والأحذية والأثاث المنزلي ارتفاعات طفيفة، وهو ما يعكس انتقال تأثير الرسوم من الشركات إلى المستهلكين. ووفقًا لخبيرة الاستثمار في “بلاك روك”، جارجـي شودهوري، فإن أسعار السلع بدأت “تستعيد قوتها” مجددًا تحت ضغط التعريفات الجمركية المتزايدة.
التحديات القادمة أكبر مما تبدو 
يحذر الاقتصاديون من أن الضغوط التضخمية الناتجة عن الرسوم لن تتوقف هنا. فحتى الآن، امتصت الشركات جزءًا كبيرًا من التكلفة دون تمريرها بالكامل إلى المستهلكين، لكن هذا الوضع لن يستمر طويلًا. ومع انخفاض المخزونات وتراجع هوامش الأرباح، ستبدأ الشركات تدريجيًا في رفع الأسعار لتغطية التكاليف. ويتوقع محللو BNP Paribas وغولدمان ساكس أن يزداد تأثير الرسوم بشكل واضح مع دخول عام 2026، خصوصًا في القطاعات الحساسة للتجارة الدولية.
واقع المستهلك الأمريكي غير متوازن 
على الجانب الآخر، يواجه المستهلك الأمريكي واقعًا اقتصاديًا متباينًا. فالأسر ذات الدخل المنخفض بدأت تشعر بالضغط نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة، بينما تواصل الأسر الثرية دعم الاستهلاك الكلي بفضل مكاسبها الكبيرة من ارتفاع الأسهم والأصول المالية. هذا التفاوت يجعل مهمة الفيدرالي أكثر تعقيدًا، إذ يحتاج لموازنة التضخم دون خنق النشاط الاقتصادي أو إضعاف القوة الشرائية للفئات الأضعف.
موقف الفيدرالي بين الحذر والضرورة 
رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، يجد نفسه في موقف صعب. فبينما يرغب في خفض الفائدة لدعم الاقتصاد وسط توقف البيانات، يخشى في الوقت نفسه من إشعال موجة تضخمية جديدة إذا تسرع في القرار. لذلك، يُتوقع أن يتبنى الفيدرالي لهجة حذرة جدًا في اجتماعه المقبل، مع التركيز على المرونة في التعامل مع أي تطورات مفاجئة في البيانات أو الأسعار خلال الأشهر القادمة.
نظرة نحو المستقبل amid الغموض 
كل المؤشرات تشير إلى أن المرحلة المقبلة ستكون مليئة بالتحديات. فغياب البيانات الدقيقة يجعل من الصعب التنبؤ بمسار الاقتصاد الأمريكي بدقة، بينما تواصل الرسوم الجمركية والاختلال في الإنفاق الاستهلاكي فرض ضغوط إضافية. المستثمرون والأسواق في انتظار أي إشارة من الفيدرالي حول الاتجاه القادم، لكن الحقيقة أن الرؤية ما زالت ضبابية للغاية.
ضبابية المشهد الاقتصادي 
باختصار، تقرير التضخم لشهر سبتمبر كان بمثابة فرصة لالتقاط الأنفاس قبل دخول مرحلة من الغموض الاقتصادي. فمع استمرار الإغلاق الحكومي وتزايد أثر الرسوم الجمركية على الأسعار، يبدو أن الفيدرالي الأمريكي يسير في طريق غير واضح المعالم. وبينما يحاول الحفاظ على استقرار الأسعار ودعم النمو، تظل المخاطر قائمة بأن يكون الهبوط المقبل أكثر اضطرابًا مما يتمنى الجميع.